لبنان عالق في الاستعصاء … في حل ونص؟؟!!
بيروت؛ ١٣-٧-٢٠٢٣
ميخائيل عوض
وصفت الازمة اللبنانية بانها غير مسبوقة ومن صنف ازمات ثلاث وقعت قبل مئة وستين سنة.
عناصر الازمة وتوصيفها ومسبباتها معروفة بتفاصيلها، ومعروفة الجهات والسياسات التي تسببت بها عن قصد او بلا قصد.
الكارثة المحققة، واوجه الغرابة؛ ان لا احد فكر وابدع واو حاول ان قدم مخارج وحلول للازمة، حتى المحاولة في المعالجات الترقيعية غائبة عن الاذهان والممارسة، وهذه بذاتها سبب جوهري في تعميق الازمة وفي دفع البلاد الى حالة الاستعصاء والمزيد من تعقيد فرص ايجاد حل واو معالجة لأي من تجليات الازمة.
الاستعصاء في اجراء الانتخابات الرئاسية مقيم ما بقيت توازنان البرلمان الذي صيغت نتائجه على مشروع السفيرة شيا لتخليق الفوضى- الفراغ النيابي، ما لم تتعقلن واحدة من الكتل القادرة على تامين النصاب والانتخاب، واو فرض الحلول بقوة مصالح الخارج والقوى الفاعلة على ما اعتاد عليه اللبنانيون .
والفراغات تفرخ فراغات في شتى الدوائر والمؤسسات، والمؤسسة العسكرية التي قاربت ان تفرغ جعبتها بعد ان تراجع وزنها وحضورها بانحسار عديدها واستحالة قيامها بمهامها وبمهمة سد فراغات الدولة والمؤسسات. تقاتل كي لا يضربها الفراغ فيقع الارتطام وتذهب الباد الى الفوضى العارمة والمتوحشة.
والناس تهوم على وجوهها، فتجد بالهجرة ملاذها هربا من واقع قاس ومن ظنون سوداوية بمستقبل مظلم. لا بارقة امل او شعاع في نهاية النفق، وليس من جهة او كتلة تقوى على الحراك ولا تظهر مؤشرات جدية لاحتمالات نهوض وتشكيل قوة او كتلة حاملة لمشروعات تغيير او حتى ملامسة حلول ترقيعيه.
الحال غير مسبوقة ايضا فالأزمات غير المسبوقة تخط لنفسها مسارات وتطورات غير مسبوقة، وكل ما هو غير مسبوق يفترض تفكيرا وجهدا وخططا للتعامل معه من خارج صندوق المسبوقات.. انها قاعدة تفكير وحياة مذ خلقت البشرية.
اين المفر؟ ما الاحتمالات؟ هل من مخارج وحلول؟؟
اسئلة تطرح نفسها ولا من يجيب.
بيد ان الحياة والعقل البشري الفردي والجمعي لا يستطيع الكمون والعطالة الدائمة، واذا تعطل فالأيدي الخفية للجغرافية والتاريخ وحاجات الأزمنة تفرض نفسها بهمجية ومصير من يعاندها السحق والهرس.. انها قاعدة حياة ايضا.
التفكير من خارج الصندوق لابتداع حلول ومخارج تصطف كلها عند الحاجة الماسة لتغيير جذري للنظام وعصرنة العقد الوطني تنتقل به من الافلاس الى الحداثة التي تجعل له قابلية الحياة، والعقد الوطني المطلوب لابد ان يرتكز الى اعادة صياغة جوهرية لوظائف الكيان ما يوجب صياغة نظام سياسي واقتصادي واجتماعي قادر على توفير شروط الوظائف الجديدة للكيان، والكيانات ليست ابدية وبقائها مرهون بتجديدها عندما تعصف بها وبمحيطها وبالعالم حقبة اعادة الصياغات والهيكلة كالحالة الجارية على كل صعيد .
اظف ان الشروط الموضوعية لإنتاج رؤية وكتلة تغييرية ليست ناضحة وليس في الافق ما ينتجها.
بانتظار ان تقرر الجغرافية والأزمنة حاجاتها وتفرض نفسها ولو عنوة لابد من اجتراح محاولات قد تفيد وتسهم في تغيير المسارات.
من الحلول الممكنة، او اقله الواجب اختبارها؛
1- كي لا تدوم حالة الاستعصاء وتؤدي وظيفتها في سوق البلاد الى الفوضى والتوحش لابد من جهد يتركز على الخروج من استراتيجية الادارة بالفراغات الى سلوك سبيل الادارة بالمرحلة الانتقالية اسوة بما فعلته وتفعله الشعوب والدول الحية في هكذا ظروف.
فالإدارة المؤقتة لا تقتل الديب ولا تفني الغنم هي اقرب لتقطيع الوقت حتى تنضج ظروف الاقليم والعالم ويبتدع او يفرض حلا.
ما الضرر من توافق على رئيس جمهورية ورئيس حكومة وحكومة وبرنامج يستهدف الاحاطة بالأزمة ووقف زحف الكوارث لسنتين.
فالمراحل الانتقالية افضل الوصفات عندما تستحيل امكانية التغيير، وتقطع على حالة التأكل والانهيار وتعميق العجز، وبعد نفاذ المرحلة الانتقالية تعود الحياة الى الانتظام والتوازنات الى الفاعلية والتعبير عن نفسها ومصالحها وتحفظ حقوق كل الفرقاء وفرصهم وتؤمن البلاد في الوقت الاقليمي والدولي المستقطع الى ان ترسوا المعادلات والهيكليات الجديدة ليصر للبنان وازمته حواضن ومحفزات لسلوك حقبة الاستقرار وتفعيل المؤسسات وانتظامها.
في الانتقالية لن يخسر احد رهاناته ولا فرصته ولا عناصر حضوره وقوته بل يتمكن من زيادتها ومراكمة الفرص والقوة وعند انتهائها يكون لكل حادث حديث اما الفوضى والفراغ فحالة لا تضمن نتائجها وقد تعصف بالجميع وفرصهم، وفي لبنان ستعصف بالكيان والنظام والتشكيلة برمتها، وسيكون الكل خاسرين جرائها وليس من مظلة على رأس احد مهما توهم وراهن.
2- ما لم يدرك الفاعلون خطر الفراغ والفوضى وان يتثبتوا من جدوى الانتقالية، قد يكون المخرج بانتخابات نيابية مبكرة، فعجز البرلمان عن انتاج مخرج بانتخاب رئيس يستوجب العودة الى الشعب مصدر السلطات واي انتخابات مبكرة ستتوفر فيها فرصة تعديل التوازنات وتغيير في التكتلات ما يوفر عناصر للخروج من الازمة والحفاظ على البرلمان والمؤسسات وامتلاك فرص لمعالجة الازمة عبر المسالك والطرق الدستورية بديلا للفراغ والفوضى فالمؤتمر التأسيسي او ضياع الكيان.
3- واذا بدت الانتخابات النيابية المبكرة مستحيلة بفعل طبيعة البرلمان والتكتلات وتقاطع مصالحها لإبقاء الامر الراهن فمن الممكن التفكير بانتخابات رئاسية مباشرة من الشعب فتصاغ الحلول من خارج صندوق المجلس النيابي المشلول والعاجز لتوازناته.
4- وبكل الاحوال اذا تعطلت كل الحلول فقد يكمن الحل في تفعيل دور البرلمان بذريعة تشريع الضرورة وقد سلكها النواب، لضرورات ادنى اهمية. فالضرورة والقصوى منها تقتضي جلسات متصلة لإعادة قراءة اتفاق الطائف واستصدار التشريعات والقوانين الواجبة لاستكمال التطبيق ما دام الكل متمسك بالطائف ولا يقبل تعديلات عليه. فاقل الواجب يقتضي استكمال تطبيق الطائف وبنوده لاسيما في؛
– قانون اللامركزية الادارية الموسعة.
– انجاز قانون وانتخاب مجلس الشيوخ.
– انجاز قانون انتخاب المجلس النيابي على اساس غير طائفي واعادة صياغة الدوائر الانتخابية بحيث توفر عدالة التمثيل والحفاظ على التنوع والمشاركة.
– ووضع الاسس والمقدمات القانونية للشروع في تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية.
ما الضرر من السعي لفرض دور للبرلمان وجعله منبر ومنصة الحوار الوطني وسوقه الى تقرير ما يلزم للخروج من الازمة العاصفة وغير المسبوقة؟ اليست افضل من انتظار اتفاق الخارج لفرض حل ولو بالقوة القسرية؟؟ ولماذا لا يسعى الفاعلون لانتشال البرلمان من الشلل والتعطيل، وتعطيل البلاد قد يستمر حتى نفاذ ولاية المجلس؟؟ وماذا بعد نفاذها ؟؟ فالصبح قريب والزمن يجري بسرعة فرط صوتيه.
البلاد في ازمة غير مسبوقة والاستعصاء قائم وايامه جارية والفراغ والفوضى مسار حكمي اذا استمر الامر على هو عليه.
وليس ما يعيب اللبنانيين من ابتداع مخارج وحلول والافضل ان تكون دستورية وعبر المؤسسات ولو بتجاوز نصوص عفا عليها الزمن فالمبادرة والسعي والمحاولة افضل من الانتظار والرهان على الفراغ غير المظمونة نتائجه لاحد مهما علا كعبه وامتلك من عناصر القوة والسطوة.
الازمات غير المسبوقة تستوجب تفكيرا وحلولا من خارج الصندوق وغير مسبوقة.