هل تصدر الصين إنذارا للولايات المتحدة الأمريكية؟
ألكسندر نازاروف
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين تقتربان من مرحلة التصعيد السريع للمواجهة.
لقد أثبتت اللهجة التي تحدث بها وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن خلال زيارته إلى الصين بما لا يدع مجالا للشك أن بكين قد عقدت عزمها، ومستعدة بشكل عام للتفاوض فقط حول كيفية قبول الهيمنة العالمية بسلاسة وسلمية من أيدي الولايات المتحدة الضعيفة. في الوقت نفسه، كانت النوايا التي أبدتها واشنطن قبل وأثناء الزيارة أكثر ليونة وسلما، على الأقل فيما سمعناه في العلن.
وبعد الإجماع في الحزبين بشأن الصين كعدو رئيسي للولايات المتحدة، وبعد الهستيريا الخاصة ببالون “التجسس” الصيني، وبشكل عام بعد شهور، إن لم يكن سنوات، من التهديدات والضغط المتزايد، فجأة، خفف الخطاب الأمريكي من حدته، وأظهر، على الأقل لفظيا، رغبة في تجنب الصراع.
في الوقت نفسه، أصبحت الصين، التي كانت حتى الآن راضية تماما عن التركيز الغربي على روسيا، تتصرف بتحد بدلا من محاولة اكتساب الوقت، فيما لا تزال تكتسب مزيدا من القوة عشية معركة مميتة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
يبدو لي، للوهلة الأولى، أن هذا السلوك غير المنطقي، أو بالأحرى، غير المعتاد، لكلا الجانبين، يشير إلى تغيير وشيك محتمل في نموذج العلاقة بينهما.
لا أعتقد أن روسيا وأوكرانيا كانت من بين القضايا ذات الأولوية في محادثات بلينكن في بكين. فليس لدى واشنطن أي شيء تقريبا لتطلبه من بكين في هذا الصدد. فالصين، وحتى بدون المطالب الأمريكية، تشارك بنشاط في جهود حفظ السلام، ولا تساعد روسيا بالمال أو بالأسلحة، لأن روسيا تدير الأمر بمفردها، ولم تطلب مساعدة الصين.
إلا أن أجندة زيارة بلينكن، مع ذلك، كان مرهونا مباشرة بالأحداث في أوكرانيا.
فقد بات واضحا للجميع، على خلفية فشل الهجوم الأوكراني، أن أوكرانيا، ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، لن يكونا قادرين على تحقيق النصر على روسيا. علاوة على ذلك، يبدو أنه في عام 2024، لا سيما في ذروة الحملة الانتخابية الأمريكية، سوف يكون من الممكن لروسيا أن ترسل للولايات المتحدة أكثر الأخبار غير السارة لبايدن من أوكرانيا.
على هذه الخلفية، فإن أي عمل صيني ناجح ضد تايوان في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حتى نوفمبر 2024، سيكون بمثابة كارثة لإدارة بايدن.
الوضع بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية صعب للغاية.
فواشنطن تحتاج إلى مزيد من الوقت (من غير المعروف حجمه) لإنهاء الصراع مع روسيا بطريقة أو بأخرى قبل الالتفات إلى الصين.
ومع ذلك، فإن كل يوم إضافي يقوي الصين ويضعف الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحتاج واشنطن بشكل عاجل الالتفات إلى الصين.
في الوقت نفسه، وعلى الرغم من الضغوط الأمريكية، تظهر أوروبا، وخاصة ألمانيا، رغبتها في الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع الصين. وقد استقبل المستشار الألماني أولاف شولتس، يوم أول أمس الاثنين، رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ بحرس الشرف العسكري في برلين، وقال، خلال اجتماعه به، إن ألمانيا ملتزمة بتطوير علاقات مستقرة مع الصين، وترفض جميع أشكال “فك الارتباط”. في سياق متصل، صدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجميع بتصريحاته المؤيدة للصين، خلال زيارته للبلاد أبريل الماضي.
<img src=”https://mf.b37mrtl.ru/media/pics/2023.06/original/6492c55c4c59b76bb071a331.jpg” alt=”هل تصدر الصين إنذارا للولايات المتحدة الأمريكية؟” />
Telegram
المستشار الألماني أولاف شولتس (صورة أرشيفية)
بالتوازي، لا يستعجل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأحداث في أوكرانيا، وهو ما لا يسمح للولايات المتحدة الأمريكية بتوريط أوروبا في صراع عسكري مباشر مع روسيا، والتركيز على الصين.
يبدو كل شيء وكأنه حركة نحو طريق مسدود، حيث تتجه الولايات المتحدة الأمريكية على هذا المستوى نحو الهزيمة. ولزيادة فرصها، يجب على واشنطن الانتقال إلى مستوى جديد، وتوسيع نطاق ودائرة المشاركين.
في رأيي المتواضع، لم تكن زيارة بلينكن محاولة للحصول على إرجاء للصدام مع الصين (على الرغم من أن واشنطن لن تمانع إذا حدث ذلك)، بقدر ما كانت زيارة لتقييم نوايا الصين وعزمها. وأعتقد أن الولايات المتحدة كانت متشائمة في البداية بشأن آفاق الزيارة، حيث من المرجح أن بلينكن قد وجه مجموعة من الإنذارات إلى بكين. ولا عجب أن تعقب زيارة بلينكن إلى الصين، زيارته إلى لندن، الحليف العسكري الأقرب للولايات المتحدة، والتي قد تم التخطيط لها على الفور من بكين.
لقد أعرب وزير الخارجية الصيني تشين قانغ عن استعداده لزيارة الولايات المتحدة، ربما لنقل إنذارات صينية مقابلة لواشنطن.
من المتوقع كذلك لقاء بين جو بايدن وشي جين بينغ، إلا أنه ليس لدي ثقة من أن مثل هذا الاجتماع سيعقد بالأساس، لأن التسوية بين البلدين مستحيلة من حيث المبدأ، ونادرا ما يجتمع القادة دون أن يكون من الممكن تحقيق أي شيء.
لست أول من يربط بين زيارة بلينكن هذه إلى بكين، مع زيارة رئيس وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى موسكو في نوفمبر 2021، عشية الإنذار الروسي للولايات المتحدة الأمريكية و”الناتو”، لنقل حدود الحلف بعيدا عن الحدود الروسية غربا، نحو الحدود الغربية لمنطقة نفوذ الاتحاد السوفيتي في أوروبا.
الوضع مشابه حقا – فقد أدركت الصين بالفعل أن الصراع مع الولايات المتحدة هو أمر لا مفر منه، وتختار اللحظة المناسبة للانتقال إلى إجراء حاسم. حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية الآن أصبحت بحاجة إلى قلب رقعة الشطرنج التي تخسر عليها.
في يناير 2024، ستجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تايوان، وأعتقد أنها ستكون نقطة تحول في المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
فإذا انتصرت القوات الموالية للولايات المتحدة في تايوان، فأنا أميل إلى النظر لحقيقة أن شي جين بينغ يبلغ الآن من العمر 70 عاما، ولم يعد هناك وقت ليجد نفسه أمام الحاجة إلى تخليد اسمه في التاريخ باعتباره الموحد العظيم للأمة الصينية، الذي قاد البلاد إلى هيمنة العالم.
أما إذا انتصرت القوات الموالية للصين، فيمكن للصين أن تبطئ وتنتظر بضع سنوات أخرى لمنح التايوانيين فرصة للانضمام إلى الصين بسلام. لكن في هذه الحالة، لن يستطيع الأمريكيون الانتظار، وأعتقد أنه سيكون بإمكاننا رؤية محاولة من قبل الغرب لعدم الاعتراف بالانتخابات وتنظيم ثورة ملونة أخرى.
بطريقة أو بأخرى، فإن نتائج الانتخابات في تايوان لديها فرصة كبيرة لزعزعة استقرار الوضع، وإطلاق صدام عسكري مفتوح.
في غضون ذلك، وكما أعتقد، ستعود الولايات المتحدة إلى تعزيز الهستيريا المعادية للصين والضغط على أوروبا.
يوم أمس، وصف جو بايدن الرئيس شي جين بينغ بالدكتاتور. وصرح بلينكن بأنه إذا لم تمارس الصين ضغوطا على كوريا الشمالية بشأن قضية الأسلحة النووية والصواريخ، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستزيد من وجودها العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
في 18 يونيو الجاري، كان من المفترض أن ترفع إدارة بايدن السرية عن البيانات الاستخباراتية المتعلقة بأصل وباء “كوفيد-19″، إلا أن هذا لم يحدث. أعتقد أن إلقاء اللوم على الصين في بدء الوباء والمطالبة بتعويضات ضخمة منها سيكون أحد الأدوات الرئيسية للتصعيد من قبل الولايات المتحدة، لكن واشنطن لم تضع هذه الورقة على الطاولة حتى الآن.
أرى أنه بات واضحا للجميع، بمن فيهم للمشاركين المباشرين، أن الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين هو أمر حتمي لا مفر منه. أتساءل: من سيضرب أولا.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
Sent from my iPad