مقالات

خلاصات أولية لعبور تشرين المجيد

عدنان برجي

مع دخول بداية الاسبوع الرابع لعبور تشرين الذي قامت به المقاومة الفلسطينية انطلاقًا من غزة، هناك بضع خلاصات ، اعتقد انه من الضروري تعميمها كي لا تطمسها مجازر القتل والتدمير التي يقوم بها العدو الصهيوني، ويعود التشكيك مرة اخرى الى اذهان بعض الناس، بخاصة من الذين يقرأون الحدث بدون أبعاد وخلفيات، وفي لحظته.

والعدو في محاولة تقدمه البري مساء أمس، وهي محاولة تهدف الى امرين: زرع الرعب في نفوس الفلسطينيين في غزة ومحاولة زعزعة ثقة المقاومين بقدراتهم وهي محاولة فاشلة وانت كانت خسائرها مؤلمة، والامر الثاني محاولة رفع معنويات الصهاينة المنهارة والتي سوف تنهار اكثر فأكثر.من الخلاصات:1- ان عبور المقاومين في 7 تشرين اول 2023 يشبه اعلان الحرب العربية على العدو عام 1973 وعبور الجيش المصري لخط بارليف ، وانطلاق الحرب على الجبهة السورية. بعض اوجه التشابه هي:• النجاح الاستراتيجي في تضليل العدو، فقد استطاعت المقاومة ان تزرع وهمًا عند قادة الصهاينة انهم لا يشكلون اي خطر حقيقي عليهم، كما نجحت القيادتان المصرية والسورية عام 1973 بتضليل القادة الصهاينة مما اعطاهم عنصر المباغتة وهو عنصر اساسي في الحروب.• اتخاذ المبادرة بقرار شجاع وبتخطيط دقيق، وبتوظيف مثالي للامكانيات التي هي محدودة بسبب الاحتلال المزمن لغزة اولا وبسبب الحصار الجائر لها منذ 2007.• تحطيم الجدار الفاصل بكل قدراته التكنولوجية والمادية، الجدار الذي كلّف العدو اكثر من مليار دولار وتم تجهيزه بأحدث الوسائل التقنية، لكن المقاومة حطمته، وقهرت الجيش الصهيوني في عقر قواعده العسكرية وأذلته أبشع اذلال.• العبور الأول والعبور الثاني أكدا ان المقاتل العربي يملك الشجاعة ويجيد التخطيط ويستوعب التكنولوجيا بل يطوعها لخدمة اهدافه. وهذا يناقض الدعاية الاعلامية الصهيونية الغربية التي روجت لها وسائل اعلام واحزاب ومثقفو مارينز من ان الانسان العربي غير قادر على ان يكون كفؤًا للانسان الغربي.1- اعاد طوفان الأقصى القضية الفلسطينية لتتصدر اهتمام العالم، ولتتقدم على حرب روسيا- اوكرانيا وعلى التناقض الصيني الاميركي، والقضايا الاقليمية كافة. لقد كان الصهاينة ومن خلفهم قد اطمأنوا الى استسلام القيادة الفلسطينية وعجز الفصائل الأخرى، لذلك لم يقدّموا اي تنازل على الرغم من اتفاقيات الاستسلام والتطبيع. ولطالما ردّدنا دعوتنا الى عدم اليأس لأن الأمة العربية هي أمّة المفاجآت وبالتحديد قدرتها على دفع ضريبة التضحيات. لقد سبق للعرب ان قدموا في تاريخهم ملايين الأرواح في حروبهم ضد الفرنجة وفي مقاومتهم للاستعمار ، فثورة الجزائر وحدها قدمت مليون ونصف المليون شهيد من أصل 5 ملايين جزائري هم عدد سكان الجزائر آنذاك، وتعرض الجزائريون لانتهاكات عنصرية تفوق كل وصف.2- عودة المقاومة الفلسطينية الى الفعل المؤثر بعد ان كانت المقاومة اللبنانية وكذلك العراقية قد تقدمت عليها، وهذه قضية بالغة الأهمية فلطالما زعم العرب المطبعون ان أهل فلسطين تخلوا عن قضيتهم فلما على الآخرين حملها؟. ذلك يعني ان الحل والربط سيعود الى الفلسطينيين بوجهتهم المقاوِمة وليس بوجهتهم المراهنة على المفاوضات العقيمة.3- ان دعوة العدو الصهيوني، بمساندة اميركية- اطلسية، الى تهجير الفلسطينيين الى سيناء والاردن، اكدت ان الانظمة العربية التي سارعت الى التطبيع مع العدو كانت هي اول المستهدفين في تهديد امنها الوطني، مما يؤكد للصغير والكبير ان لا فائدة من اي تطبيع مع هذا العدو وان السبيل الوحيد الذي يجب ان يتبع ما دون الحرب هو محاصرته كما دعا القائد الخالد جمال عبد الناصر حينما شبه العدو بالبلهارسيا التي تموت فقط من جراء ربط خيط محكم حولها وتشديد هذا الربط كلما ضعفت. وموقفه هذا تبلورت صياغته اكثر في بيان 30 مارس حينما اكد: لا صلح ، لا تفاوض ولا اعتراف بالعدو.4- ان مسارعة الاميركيين والانكليز والفرنسيين والالمان لنجدة العدو الصهيوني اكدت عجز الكيان الصهيون من جهة، وأثبتت ان لا تمايز بين الصهيونية والاستعمار من جهة ثانية، وان العنصرية متغلغلة في اعماق اذهانهم، وان دعواتهم للديمقراطية وحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ليست سوى شعارات تُبطن تمزيق المجتمع العربي وتفتيت قواه واستغلال التناقضات بين مكوناته لإضعافه ومنعه من امتلاك مقومات تنميته وفق القواعد التي ارساها جمال عبد الناصر والتي تمارسها الصين حاليًا وتحقق تقدما ملحوظًا.5- ان الهزيمة العميقة دخلت الى نفوس الصهاينة، وهي اقسى من الشعور بهزيمة العرب عام 1967، فالعربي تحصنّه قيمه وايمانه الديني وشعوره بالانتماء، لكن الصهيوني يرى في الكيان الغاصب وسيلة ربح مؤكد له، فالحروب السايقة كانت تجري بعيدًا عنها ولم يكتو بنيرانها لكن اليوم فهي تجري داخل الكيان وفي ظل نزوح وتهجير لمئات آلاف المستوطنين، والمدن الكبرى في الكيان تتعرض للقصف الصاروخي الفعال. والصهاينة يعيشون قلقًا كبيرًا من امكانية توسع دائرة المواجهة حيث المقاومة خارج فلسطين تملك قدرات عسكرية اكبر بكثير من تلك التي تملكها المقاومة الفلسطينية.6- ان العدو لا يملك سبيلًا لرفع معنويات جيشه وشعبه سوى الإمعان في القتل والتدمير، لكن ذلك ينعكس سلبًا عليه، وقد بدأنا نلاحظ اتساع حركة الرفض العالمية لحرب الإبادة التي يمارسها بحق الشعب الفلسطيني، كما بدأ الشباب الغربي الصاعد يتعرف الى القضية الفلسطينية التي غابت لأكثر من ثلاثة عقود عن مسرح الأحداث العالمية. كما ان اطالة فترة الحرب وزيادة التنكيل بالفلسطيين فرضت تبديلًا بطيئًا في موقف النظام العربي الرسمي، لاسيما الجزء المُطبّع منه. ففيما كان هذا الجزء من الأنظمة يماشي الاميركيين والأطلسيين في ادانة المقاومة الفلسطينية في بداية الطوفان، فإنه وامام تحرك الشعب العربي الهادر في كل العواصم وبأعداد مليونية، وتحرك احرار العالم والعرب الموجودون في الغرب، فانه بدأ يرفع من نبرة خطابه ويطالب بوقف فوري لإطلاق النار، مما يشجع الاصدقاء الروس والصينيين للضغط اكثر في مجلس الامن لإصدار قرار وقف اطلاق النار.7- ان الدمار الواسع الذي لحق وسيلحق بأهالي غزة الأبطال، وسفك الدماء الغزيرة من الاطفال والشيوخ والنساء، تدفعنا الى الحزن وتزيد من الالم الذي يعتصرنا جميعًا، لكنهم ، اي اهل غزة يتقدمون علينا بتماسكهم وثباتهم وتقديم كرامتهم على فقدان عائلاتهم، وقناعتهم ان لاسبيل الى الحرية سوى طلب الموت وفق قول جمال عبد الناصر : ” القادرون على دفع ضريبة الدم هم وحدهم يستحقون شرف الحياة”. وكما اسلفنا فإن دماءنا العربية كانت دائمًا هي سبيلنا الى الحرية والتحرر. رحم الله احمد شوقي وهو يقول وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق. ورحم الله شهداء الأمة الأبرار وتغمدهم بواسع رحمته.8- لقد تكبد العدو خسائر بشرية كبيرة جدا بالنسبة له فقد اعترف بمقتل اكثر من 1400 صهيوني، بينهم 350 عسكريًا بعضهم ضباط برتب عالية، وهناك تقديرات ان خسائره الفعلية بين قتيل وجريح فاقت ال 7000 لكنه يفرض تعتيمًا اعلاميا واسعًا على خسائره البشرية والعسكرية. ايضًا لأول مرة في تاريخ الكيان تجري حركة نزوح داخلي تقارب النصف مليون مستوطن ولذك تبعات نفسية ومالية هائلة. وهناك مئات الأسرى من المستوطنين بأيدي المقاومة، ومن يُفرج عنه يُقدم إجابات تخدم المقاومة وليس السياق الاعلامي للعدو. ايضا في الجانب الاقتصادي يتكبد العدو خسائر بالمليارات فاقت حتى الآن 7 مليار دولار عدا خسائره العسكرية في المعدات والتجهيزات ومصروفات الحرب، وقد خسر الشيكل حتى الآن اكثر من 20% ناهيك عن تراجع تجارة السلاح بعد ان ثبت فشل القبة الحديدية والميركافا وغير ذلك، كما تم اقفال غالبية مصانعه ومؤسساته نتيجة استدعاء 350 الف جندي من الاحتياط،. ان العدو ، مهما كابر ومهما تلقى من دعم اميركي لا يستطيع تكبد هذا الحجم من الخسائر لمدى طويل.9- الشروخ تتزايد داخل القيادة السياسية الصهيونية، والحبل يلتف اكثر فأكثر حول عنق نتنياهو والقادة العسكريين، وتأثيرات ذلك سوف تستمر طويلا مما يضعف الجبهة الداخلية للعدو، ويزيد من حجم الهجرة المضادة . ان كل ذلك يبشر بقرب نهاية هذا العدو. وما النصر الا من عند الله ولا غالب الا الله.

بيروت في 28/10/2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى