مقالات

هل غيرت سورية مواقفها؟..

كثرت الأسئلة خلال الفترة الماضية، حول موقف سورية، وتموضعها بالنسبة للصراع مع العد.و الص.هيو.ني، وأسهبت وسائل إعلام عالمية وعربية، وخاصة إعلام التطبيع، على الترويج بأن سورية بصدد تغيير استراتيجي في مواقفها، وذهب بعضها، للحديث عن قرب إعلان الرئيس بشار الأسد، الخروج من محور المقا.و.مة، وترك إيران بعد 45 عاما من التحالف الوثيق معها، والانتقال إلى معسكر التطبيع.
وتوقع هؤلاء، أن تكون قمة الرياض، للدول العربية والإسلامية، المكان المناسب، لإعلان الرئيس الأسد، مواقفه هذه، وإن كان بشكل غير مباشر، خاصة وأن الرياض، هي المكان الأنسب،لهذا الإعلان، كونها من يقود محور التطبيع العربي، ومناسبة القمة، هي التوقيت المثالي لهذا الإعلان، أمام القادة العرب والمسلمين.
أما وقد جاءت القمة، وألقى الرئيس الأسد كلمته، فأقل ما يقال في توصيف ما أعلنه من مواقف، بأنها أسقطت أوهام الحالمين، بتغيير الموقف السوري، وأخرست ألسنتهم، وبدأوا يبحثون عن موضوع آخر، لتناول سورية من خلاله.
لسنا هنا بصدد الدفاع عن موقف سورية، لأنها ليس بحاجة للدفاع عنها، وإنما لا بد من توضيح بعض المواقف، والإضاءة على كواليس السياسة والدبلوماسية السورية، وفك بعض ألغازها، والتي أثبتت نجاعتها، في بحر متلاطم الأمواج، من الأحداث، منذ أكثر من ثلاثة عقود، وخاصة منذ طوفان الأقصى، وهي الأحداث التي ستحدد مصير المنطقة والعالم.
بالتأكيد لا أحد ينكر، صعوبة الأوضاع، وخطورتها على سورية، وخاصة منذ بداية العد.و.ان على لبنان، قبل شهرين، وقيادة السفينة في هذا البحر، تحتاج إلى حكمة وعقل بارد، وليس لمواقف متهورة، واستعراض عضلات، قد تؤدي إلى غرقها وهلاك من فيها.
كما لا يمكن، تجاهل أن سورية، تتعرض لاحتلالات، من أمريكا وتركيا، إضافة إلى ا.لكيا.ن الص.هيو.ني، ومن تواجد مجموعات إر.ها.بية وانفصالية، في العديد من المناطق السورية.
لكن موقف سورية، من صراعها مع العد.و الص.هيو.ني، محكوم بقواعد، لا يمكن تجاوز ها، فهي الدولة العربية الوحيدة، التي يعتبر صراعها مع العد.و “صراع وجود وليس صراع حدود” وهو قائم على معادلة تقول “إما أن تموت سورية، لتحيا إسرائيل أو تموت إسرائيل، وتحيا سورية” ولذلك لا يمكن للموقف السوري، أن يقبل التطبيع، ولا تمتلك ترف تبديل المواقف، ولا تغيير البوصلة.
وفق هذه القواعد، جاءت كلمة الرئيس الأسد، في قمة الرياض، لتضع النقاط على الحروف، وتؤكد ثوابت السياسة السورية، واستخدم كلمات وتعابير، يمكن اعتبارها الموقف الرسمي، لكامل محور ا.لمقا.و.مة، وليس فقط سورية.
فالرئيس الأسد، وصف ا.لكيا.ن، قادة ومستو.طن.ين، بالهمجيين، والبعيدين عن القيم الإنسانية، وبعديمي الأخلاق، والسفاحين، واستعرض محاولات العرب للسلام، وبمشاركة سورية، ومنها مؤتمر مدريد للسلام، والمفاوضات السورية الإسرائيلية، في الولايا المتحدة الأمريكية، وأكد عبثية الرهان، على السلام مع ا.لكيا.ن الإسرائيلي.
كما أكد، على أهمية ودور المقا.و.مة، في التصدي للعد.و الص.هيو.ني، وعظم شهادة قادتها، ووصفهم بما يستحقون من تكريم، ودعا القادة العرب والمسلمين، إلى ضرورة الخروج من دائرة الأقوال، والبيانات والتنديد، إلى دائرة الفعل والعمل، والمواقف المؤثرة.
كلام الرئيس الأسد في الرياض، لا يمكن وصفه بالجديد، وهو أكده سابقا، في كلمته بعد الانتخابات، في قيادة حزب البعث، وفي كلمته التي وجهها بمناسبة بوم الجيش السوري، وفي رسالة التعزية، التي أرسلها لأسرة الش.هيد ح.س.ن ن.صر ا.لله، لكن إعلانه من الرياض، عاصمة محور التطبيع، والتي وصف إعلامها، قبل فترة قصيرة، المقاومة بالإ.رها.بيين، يعطيه أهمية خاصة، وفيه رسالة للجميع، موالاة معارضة، وللأعداء والأصدقاء، بأن سورية موجودة، وهي قلب وعماد محور المقا.و.مة، ومن ظن أن “بعض” الصمت السوري “المدروس” هو انتظار لتغيير مواقفها، ليست سوى أوهام، عند من يتحدث عن ذلك.
أما السؤال، الذي يقوله إعلام التطبيع.. لماذا سورية لا ترد، على الاعتداءات الإسرائيلية؟.. فهو تساؤل ساذج ومغرض، لأن سورية أكثر من يرد على ا.لكيا.ن الص.هيو.ني، والرد لم يكن يوما، له أسلوب وطريقة واحدة، كما أنه ليس من الحكمة، الانجرار إلى معركة، يحدد العد.و طبيعتها وزمانها ومكانها، وإنما في كيفية ضرب هذا العد.و، وإيلامه، وهز أركان، فكل سلاح المقا.و.متين اللبنانية والفل.سط.ينية، مصدره إما من مصانع ومخازن الجيش السوري، أو مروراً بأراضيها، كما أن سورية، تؤمن عمقا وظهيرا استراتيجيا للمقا.و.مة، خاصة اللبنانية، بحكم الجغرافيا، وفي هذا، سورية تضر.ب ا.لكيا.ن على دماغه، وبشكل يومي، والاعتداءات الإسرائيلية، ليست سوى الرد على الموقف السوري، وأي تغيير في نوعية الرد، مرهون بتطورات المعركة، ولا نذيع سراً، إذا قلنا، بأن غرفة العمليات المشتركة للمقا.و.مة، التي تراقب الميدان، وتدرس مجرياته، وتقرر وتنفذ، تدرك طبيعة المواجهة مع العدو، وهي التي تحدد، موقف

ودور كل طرف، من أطراف محور المقا.و.مة.
وللتأكيد على ذلك، ظهرت مواقف عديدة، من القادة السياسيين العسكريين، في الإسرائيليين، وخاصة منذ العد. وا.ن على لبنان، حول قوة وتأثير الموقف السوري، وأن الميدان السوري، هو الأخطر على كيا.نهم، ولهذه الغاية، أرسلت حكومة نتنياهو، وزيرة الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، إلى موسكو، لمحاولة إقناع الروس، بالضغط على سورية، لوقف دعمها للمقا.و.مة، ووقف امداها، عبر أراضيها، وعادت من هناك خائبة..
أما من يتحدث، عن فك الارتباط، بين دمشق طهران، فمن السذاجة التفكير، بأن تقوم سورية، بتبديل تحالف وصداقة، أثبت فعاليتها ومصداقيتها، على مدى 45 عاما، بأطراف لا يمكن الثقة مواقفهم، لمدة 45 دقيقة.
وفي المواقف السياسية الدبلوماسية، فسورية هي صاحبة مدرسة “المناورة على حافة الهاوية” وهي تحاول الاستفادة من الموقع الجيوسياسي الهام لسورية، في قلب أهم منطقة في العالم، والتي تعتبر مؤشر صعود وانهيار الإمبراطورية، والدول العظمى، والتي أثبتت نجاحها إلى درجة كبيرة.
ظهر ذلك بشكل جلي، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وخسارة سورية، لأهم حليف دولي لها، وحينها توقع الجميع، بأن سورية، ستلاقي نفس مصير دول أوروبا الشرقية، ويومها دخل الرئيس الراحل حافظ الأسد، في حوار سياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية، استغرق أكثر من عشر سنوات، حتى تمكنت من تجاوز الخلل، الذي حدث في التوازنات الإقليمية والدولية، وانتهت بلقاء القمة، الذي جمعه، مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، في 26 آذار/مارس من العام 2000، ويومها قال الرئيس الأسد الأب، كلمته المشهورة (لن أوقع) ولا يمكن تفسير بعض الصمت السوري اليوم، إلا وفق هذه المدرسة.
كل ذلك يؤكد، أن سورية، لا يمكن أن تغير مواقفها، فهي ستبقى عمود محور المقا.و.مة، وعلاقاتها بإيران استراتيجية، وصراعها مع العد.و الإسرائيلي مستمر.. وإن غداً لناظره قريب..

أحمد رفعت يوسف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى