المقالات

قرية باب الله الصاخور..


ويطلق على الرجل القادم منها الى حلب اسم بابللي ،وقد ذكرها الغزي اكثر من مرة في تاريخه ،لكنه لم يتوسع .
تقع قرية بابلي في سفح الصاخور الغربي ،تهدمت بشدة في زلزال عام 1822،وتمتد املاك سكانها لتشمل شرق حلب بالكامل كالصاخور والحيدرية وطريق الباب والشيخ نجار والشيخ زيات ،وكانت تعتمد على زراعة العنب وليس على الفستق كما نعتقد جميعا .
بدأت حكايتها مع مطلع التاريخ في الالف الثالث قبل الميلاد ،حيث بنى فيها الاموريين معبد ايل الذي كان ينافس كلاسو وحدد ،ومازال تل الشيخ زيات يحتوي على آثار ايل قرب مكبات نفايات حلب .
كانت تزرع الكرمة فيها على نطاق واسع قبل دخول الاسلام في القرن السابع الميلادي ،وتعصر فيها الخمور لزوم العبادة الوثنية ،وكانت تنافس تل الاندرين بصنع الأثير ، حيث ارتبطت طقوس العبادة الوثنية بشرب الخمر .
الأثير نوع من الخمور يسمى حاليا العرق ،وهو سريع التطاير واشتقت منه كلمة ether اللاتينية لتشير الى مركب كيميائي آخر .
تعاقب على قرية بابللي الكثير من الشعوب ( حثيين – بابليين آشوريين ) ،لكن سكانها قبل انتشار المسيحية كانوا سريان يتكلمون الآرمية ،ويتواصلون مع دمشق،حتى ان آرام دمشق وآرام سوبا ( صوبا ) اخذوا نسخة عن ايل لكي يعبدوه عندهم وسميت منطقة بابيلا في دمشق نسبة الى إله هذه القرية إيل ،وسنجد في منشورات قادمة كيف ان حلب هي مدينة مصدرة للآلهة في الماضي السحيق.
ولدخول حرم المعبد لابد ان يدخل الزائر حافيا او ربما عاريا لإتمام العبادة الوثنية ،لذلك كانت منطقة دخولية باب ايل هي منطقة الإحرام اذا جاز التعبير ،وسميت في القرن العشرين دخولية باب الله ،وربما نكتشف يوما ما اجرانا للتطهر في دخولية باب الله .
عند دخول الاسلام الى حلب عام 17 هجرية ،كسدت زراعة الكرمة بسبب منع الخمور ،وتحول الناس الى زراعة الفستق باستخدام جذور البطم الفلسطيني وتطعيمها بالفستق بطريقة معقدة وسابقة لعصرها ،فتلاشت من شرق حلب كروم العنب وحلت مكانها اشجار الفستق .
ويمكننا الاستدلال على وجود الكرمة هناك من خلال كلمة كرم فستق ،اذ لايصح اطلاق كلمة كرم على الفستق إلا في حلب ،اذ ان كلمة كرم تشير الى العنب فقط في كل انحاء العالم ،لكننافي حلب نقصد بها الفستق الذي حل مكان العنب ( الكرمة).
بعد زلزال عام 1822 هجرها سكانها وسكنوا في حلب ،وتحول قسم منهم الى العمل في اعادة تدوير الأحجار بعد الزلزال ،وسميت صاخورا لأنها مكان تشكيل الصخور القادمة من المقالع لإعادة اعمار حلب وتوسيعها .
ونشطت اعمال الحجارة فيها على اطراف بستان جانكين باشا ،والذي تحول مؤخرا الى حديقة الصاخور .
ساهم الزلزال في تحويل بابللي الى مكان لصناعة احجار البناء ،ثم جاء بناء الجميلية والعزيزية ليزيد الطلب على هذه السلعة ،وتحولت دخولية باب الله الى منطقة صناعية اواخر القرن التاسع عشر .
استهلكت حجارة قرية بابلي المهجورة وتحولت الى الجميلية والعزيزية.
وكان في الصاخور منطقة منحدرة شمالها تدعى الكسارة ،وفيها يتم تكسير الحجارة يدويا لصناعة البحص اللازم للبيتون ،حيث دخل الاسمنت الى حلب نهاية القرن التاسع عشر ،ولم يكن هناك كسارات آلية ،بل اعتمد البناء على بحص يكسر بواسطة الشاكوش ،حيث يجلس العامل طيلة اليوم على الارض واضعا امامه حجرة صوان يستعملها كسندان ،ثم يكسر الصخور الكلسية الى بحص .
وتم اختيار منطقة الكسارة لذلك العمل ،لأنها منطقة وارفة الظلال ،يمكن للعامل ان يستظل بأشجار السرو المنتشرة فيها بشكل طبيعي .
ثم ينقل البحص بواسطة تك بجره بغل شموس او بغلين .
وبعد الانفجار السكاني في النصف الثاني من القرن العشرين ،سكنها ريفيون من شمال حلب وشرقها ،يعودون الى قرى احتميلات وصوران ومارع …،كما سكنتها قبيلي الكيار والبطوش من شرق حلب .
استمرت ملكية الفستق لأهالي حلب ،وكان يتم تداول الملكية بين عائلات حلب ،حتى اجتاح الكروم سوء التخطيط فتم مسح هذه الجنان واستبدالها بأبنية اسمنية مشوهة .
مع دخول باصات النقل الداخلي تحول اسم بابيل الى باب الله،حيث ساهمت مؤسسة النقل الداخلي في تغيير الاسم الحقيقي لبابللي حين وضعت على الباصات اسم باب الله الى جواره رقم 21 ،ولم يجد الكثير من الناس تفسيرا لمعنى لهذا الاسم ،وظنوا انه باب من ابواب حلب مثل باب الحديد والنصر .

إن القائمين على التراث- للاسف – لايعترفون بأن هناك تاريخا خارج اسوار حلب ،وينظرون بانكماش الى احيائها الشرقية والشمالية ،ويعتقدون ان سكانها رعاع ودخلاء ولايستحقون دراسة تاريخهم ،بل ويصرحون بذلك في جلساتهم الخاصة ، لذلك تجد جولاتهم ( مايسمى بجمعية العاديات ولجنة التراث ) مكررة داخل المدينة القديمة فقط كمن يدور حول نفسه في حلقة مفرغة ،وربما لايعرفون شيئا خارج الاسوار.

وشعارنا في حكايات من حلب هو ان كل انسان على وجه هذا الكوكب هو صاحب تاريخ عريق ونسب شريف،مالم تدلك افعاله على عكس ذلك .

عدنان جمعة الاحمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى