مقالات

المؤتمر القومي العربي .. ثلث قرن من الصمود في وجه الحصار والتحامل

معن بشور

5/8/2023

لم يكن انعقاد الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي في دمشق تحت شعار “مع سورية في وجه الحصار والعدوان والاحتلال” بعد انعقاد دورته الثانية والثلاثين في بيروت، سوى تتويجاً لجملة مواقف ومبادرات اتخذها منذ بدء الحرب الكونية على سورية في 11/3/2011 وحتى اليوم سواء من خلال منتدى بيروت الأول الذي أنعقد من اجل “مواجهة التدخل الأجنبي في سورية ودعم الحوار” وخرج منه وفد الى دمشق التقى الرئيس الأسد وكبار المسؤولين السوريين، كما التقى عدداً من المعارضين السلميين بهدف اجراء حوار يؤدي الى وقف مسار الحرب الاستعمارية على سورية والتي أستغلّت مطالب مشروعة من أجل تنفيذ أجندات مشبوهة ضد بلد يحمل لواء العروبة والمقاومة ويقف تاريخياً حجر عثرة في وجه كل المشاريع الاستعمارية الصهيونية وفي مقدمها التطبيع مع العدو .
وأستمر المؤتمر في اعلان مواقفه المناهضة للحرب على سورية، وخصوصاً في بيانات دوراته، بما فيها التي انعقدت في تونس عام 2012 والقاهرة عام 2013 ، وتضمنت نقداً واضحاً للموقف الرسمي العربي من سورية ومساهمته في الحرب عليها.
وما ان صدر قانون “قيصر” الأميركي المشؤوم في أواخر حزيران/يونيو 2019 متزامناً مع اعلان ترامب عن “صفقة القرن” حتى دعا المؤتمر القومي العربي متعاوناً مع المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن الى منتدى عربي لكسر الحصار على سورية ضم المئات من القيادات الشعبية العربية مطلقاً “الحملة الشعبية العربية الدولية لكسر الحصار على سورية” برئاسة أمينه العام السابق المناضل الناصري مجدي المعصراوي، والتي عقدت ثلاث اجتماعات افتراضية ضمت المئات من الشخصيات العربية والدولية خلال أعوام 2020 و 2021 و 2022 والتي ما زالت مستمرة وتهيء لتجديد فعاليات الحملة في ضوء التراخي الرسمي العربي في ترجمة أجواء الانفتاح العربي الرسمي على سورية بعد قمة جدة والزيارات المتبادلة مع دمشق .
واهتمام المؤتمر القومي العربي بدعم سورية في وجه الحصار والعدوان والاحتلال كان جزءاً من اهتمام المؤتمر بسائر قضايا الامة، سواء في فلسطين التي كانت وما زالت بوصلة المؤتمر ، وهو الذي يضم ممثلين عن كل الوان الطيف السياسي والفصائلي الفلسطيني، رافعاً شعاره دعم المقاومة في وجه كافة الحروب، ورافضاً لكل المؤتمرات والاتفاقات التي تقود الى تصفية القضية من “كمب ديفيد” الى “أوسلو” الى “وادي عربة” الى اتفاقات التطبيع و عمليات التنسيق الامني.
وفي العراق الذي كان للمؤتمر مبادرات مشهودة في الانتصار له في وجه الحرب الأميركية الأولى عام 1990، ثم في كسر الحصار عليه منذ تلك الحرب حتى الحرب الثانية عام 2003، حيث كان لاعضاء المؤتمر ورموزه دور كبير في اطلاق المسيرات الحاشدة من أقصى المغرب الى أقصى المشرق، وفي ارسال المساعدات الغذائية والدوائية للشعب المحاصر، أو في تعبئة الشارع العربي ضد الاحتلال الأميركي للعراق، ثم في دعم المقاومة، مما جعل سلطات الاحتلال في العراق وادواتها تضع أسماء بعض رموز المؤتمر على لوائح المطلوبين بذريعة دعم المقاومة العراقية .
كذلك كان للمؤتمر مواقف واضحة لمساندة المقاومة في لبنان لعل ابرزها المؤتمرات العربية الحاشدة لدعم المقاومة في ذكرى يوم الأرض في 30/3/2006 متمسكة بسلاح المقاومة، ثم في 16/10/2016 في رفض اعتبار حزب ىالله منظمة إرهابية وضم المئات من ابرز الشخصيات العربية والذي ساهم مع عوامل اخرى في عدم ادراج بند باعتبار حزب الله منظمة إرهابية على جدول اعمال قمة نواكشوط في موريتانيا بعد أشهر من ذلك المؤتمر الهام الذي جدّد دعمه للمقاومة وتحمّل بذلك حملات شديدة عليه كما واجه محاولات عزله ومحاصرته.
لم يكن موقف المؤتمر من غزو الناتو لليبيا مختلفاً ، ولا دوره في اطلاق حوار بين كل الجهات اليمنية المتصارعة مختلفاً، كما لم تتوقف مبادراته لاطلاق الحوار في عدة أقطار عربية تحت شعار واضح ” نحن جسور بين أبناء الامة لنبني معاً المتاريس في وجه اعدائها”، بإشراف الأمين العام السابق للمؤتمر رئيس المؤتمر العربي العام الاستاذ خالد السفياني.
طبعاً لم ينحصر اهتمام المؤتمر بالقضايا السياسية والصراعية بل اعطى الشأن الفكري اهتماماً خاصاً منذ انطلاقه على قاعدة الإلتزام بالمشروع النهضوي العربي حيث خصّص جلسات في كل دوراته لمناقشة قضايا هذا المشروع الستة الوحدة العربية، الاستقلال الوطني والقومي، الديمقراطية، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، التجدد الحضاري .
كما كان اهتمام المؤتمر القومي العربي بالشباب منذ دورته التأسيسية في تونس حيث اطلق تجربة مخيمات الشباب القومي العربي التي انعقدت في الكثير من الأقطار العربية (لبنان، الأردن، اليمن، المغرب، الجزائر، مصر، السودان، سورية، العراق، تونس ، ليبيا)، والذي سيعقد دورته الثلاثين في “دار الحنان” في البقاع الغربي في لبنان حيث عقد دورته الأولى عام 1990، كما أطلق من خلال أعضائه في لبنان مبادرتين شبابيتين نوعيتين ،اولهما الندوة الفكرية العربية الشبابية منذعام 2010، والثانيه هي ملتقى الشباب العربي التضامني منذ عام 2019. والجدير بالذكر ان سبعة من خريجي المخيم بالاضافة ااى احد مؤسسيه قد انتخبوا اعضاء في الامانة الاعامة للمؤتمر القومي العربي خلال الدورة 31 التي انعقدت عام 2022.
اما تمويل المؤتمر الذي يحرص المؤتمر علي شفافيته فهو يقوم على اشتراكات اعضائه واصدقائه بالاضافة الى ميزانية تشغيلية محدودة جدا جدا.
ان هذه هي المسيرة الساطعة التي استمرت صاعدة ثلث قرن حتى الان بفضل تمسكها بالمبادئ أولاً، وبروح الحوار والتفاعل ونبذ الاقصاء ثانياً، و ثالثا باستقلاليتها عن اي نظام رسمي عربي رغم اعتمادها الموضوعية في علاقات المؤتمر بالانظمة اذ يرحب بكل خطوة إيجابية يتخذها هذا النظام او ذاك ، وينتقد أي خطوة يتخذها، خصوصاً في مجال التطبيع او اعتقال أصحاب المواقف السياسية المعارضة .
بل هذه هي المسيرة التي تفسّر سبب التحامل على المؤتمر من جهات تبدو في الظاهر متناقضة وهي في الحقيقة متضايقة من بقاء اطار عربي جامع يحمل راية العروبة وفلسطين في زمن تسود فيه مخططات التفرقة ومشاريع التطبيع ، وما الحصار المضروب عليه من جهات مختلفة الاّ نتيجة هذه المواقف التي تستوجب احتضانه في كل عواصم الأمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى