مقالات

“مشروع خطير يتحضّر”.. ما خُفي عن احتجاجات السّويداء!

لا يُنكر مشايخ عقل ووجهاء في محافظة السويداء يُناهضون مشروع الانفصال وعلى علاقة مُتواصلة مع القيادة السوريّة، ما كشفته معلومات صحفيّة لبنانيّة الأسبوع الماضي ومفادها أنّ ضبّاطا دروز في جهاز الموساد “الإسرائيلي”، يُشرفون على ما يجري في ساحة السويداء، وأنّ ما يُسمّى “حزب اللواء السوري” مُرتبط بشكل وثيق بالجهاز المذكور، ويقوم بتأسيس مكاتب خدمات عديدة في المدينة تكون بديلة عن المؤسّسات الحكوميّة..

هذا في وقت يواصل الاحتلال الأميركي تجهيز مجموعات مُسلّحة مُتشدّدة في قاعدة التنف ربطًا بمُخطّط إقامة “حزام أمني” في الجنوب السوري تُريده تل أبيب بقوّة، قبل أن يُعلن نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سورية فاديم كوليت يوم الإثنين الماضي، “أنّ مسلّحين ينشطون في منطقة التنف يقومون بتدريب مجموعات تخريبية بهدف زعزعة الاستقرار في مناطق الجنوب السوري”.

ورغم أنّ مخطّط إقامة “حزام أمني” في الجنوب السوري ليس بالمشروع الجديد، وحاولت “إسرائيل” ترجمته منذ سنوات خلت مُستغلّة الحرب الكبرى على سورية، ولم تنجح سوى في مُراقبة القوّات السوريّة والحليفة لها عن قُرب وهم ينسفون حُلم ذاك الحزام الموعود.. إلا أنّ ما يحصل في السويداء منذ منتصف شهر آب الماضي مُثير للقلق والرّيبة ويستدعي طرح علامات استفهام عديدة حوله..

لماذا “تنتفض” هذه المحافظة الآن في هذا التوقيت؟ وهي التي لطالما حيّدت نفسها عن الاحتجاجات والفوضى التي عمّت باقي المحافظات السورية أبّان الحرب على سورية؟ وهل ستنجح واشنطن وتل أبيب في ترجمة هذا المُخطّط هذه المرّة؟ هل فعلا السيناريو اليوم أخطر من سابقيه؟

وفق معلومات صحيفة “الدّيار” اللبنانية، فإنّ أحد أبرز من يقودون احتجاجات السويداء هو ماهر شرف الدين المُقيم في أضخم الفنادق الأميركية منذ عام 2011، وهو معروف بعلاقاته بالمُحافظين الجُّدُد في الإدارة الأميركية، وهو نفسه من يؤمّن الاتصالات للشيخ حكمت الهجري مع عدد من نوّاب الكونغرس الديموقراطيّين والجمهوريين، وهو من يُصوّب في إطلالاته على الشاشات، على ضرورة “الحماية الأميركيّة والدوليّة لدروز جبل العرب”، وقوله: “إنّ ذلك لا يتمّ إلا من خلال منطقة حُكم ذاتي، أي “دُويلة درزية” تمتدّ من منطقة الأزرق في الأردن وصولا إلى السويداء وجبل الشيخ وشبعا وحاصبيا على شاكلة دويلة “جيش لبنان الجنوبي” –ويقصد بها ميليشيا أنطوان لحد البائدة، “على أن يتزعّمها ضابط درزي سوري مُنشق- وفق إشارته.

لكنّ شرف الدين هذا، ليس المُحرّض الأوحد بالطبع. هناك المدعو مالك ابو خير -المعروف بارتباطه بالمخابرات الفرنسية، قبل أن تتكشّف علاقته بالموساد “الإسرائيلي”- والذي أوكِل إليه ترؤّس ما يُسمّى “حزب اللواء السوري”..

وبحسب ما ذكرت الصحيفة اللبنانية، فهناك أدوار للمدعو مشهور حمشو “الكردي” والمدعو مالك كرباج، إضافة إلى شخص من آل أبو حمدان، وجميعهم موجودون خارج سورية، في تأجيج احتجاجات السويداء، وأنّ الموساد “الإسرائيلي” –عبر ضبّاط مخابرات “إسرائيليين” دروز يُنسّقون ويُشرفون على ما يجري هناك..

وكشفت الصحيفة أنّ مشايخ عقل في السويداء أبلغوا القيادة السوريّة عن وصول كمّيات كبيرة من الأموال من فلسطين المحتلّة عبر شبكات معروفة، وأنّ حجم الأموال في كلّ مرّة يتجاوز ال 5 ملايين دولار بحجّة “المساعدات الاجتماعيّة”، مع إشارتهم إلى أنّ تكاليف اليوم الواحد من الاحتجاجات تصل إلى 200 ألف دولار، فيما أنّ للصفحات الإعلاميّة المُحرّضة في السويداء وإعلاميّيها مُوازنة مُستقلّة، واوضحوا أنّ آخر الدّفعات أُرسلت لشراء السلاح، على أنّ الدعم الأكبر يأتي من قطر!

وعليه، اصطدم الكثيرون في المحافظة بالجدار الخطير.. فمظاهر البذخ والتّرف بدأت تظهر بشكل واضح على قادة الاحتجاجات.. المناسف والوجبات الساخنة باتت تتصدّر المشهد اليومي، وهو ما بات يفتقده السّواد الأعظم من الشعب السوري جرّاء حصار قيصر الأميركي المُطبِق على سورية، وهذا ما فتح الأبواب أمام أسئلة أبناء السويداء عن مصادر التمويل والهدف من ورائه.. ليقفز الدّور الأميركي من خلف ستار “الاحتجاجات” إلى مسرحها مباشرة.

بعد المعلومات عن تلقّي الشيخ حكمت الهجري اتصالَين هاتفيّين في غضون أسبوع واحد، من النائب الجمهوري الأميركي فرينش هيل، وعضو مجلس النوّاب الاميركي عن الحزب الديموقراطي برندن بويل- لتوضّح هذه الاتصالات خلفيّات دعوة الهجري إلى “الج/هاد” حصرًا ضدّ أعداء الولايات المتحدة و”إسرائيل”.. تلقّى الأخير يوم الأربعاء اتّصالا من نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي داس غولدريتش، وهو الأوّل من نوعه بشكل رسمي.

ثمّة من الخبراء والمُحلّلين السياسيّين والعسكريّين، من يعتبر أنّ السيناريو المُعادي خلف ما يحصل في السويداء في هذا التوقيت خطير جدا، خصوصًا مع دخول وليد فارس -مستشار الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب على خطّ “تبشيره” ب “الدويلة” القادمة ، من دون تردّده بالإعلان -عبر تغريدة “فجّة” له، “حصول السويداء الحرّة على منطقة حظر جوّي أميركي”، مُبيّنًا عن “عزم أميركي لإعلان منطقة حرّة في السويداء حدودها من الجنوب الأردن، وهي على مسافة غير بعيدة من قاعدة التنف الأميركية، ومن الجولان شرقًا”!

من يُراقب الحراك الأميركي “النّشط” في سورية- جنوبا وشمالا وشرقا، يلاحظ بوضوح أنّ الولايات المتحدة الأمريكية عادت بقوّة إلى مُحاولة فرض مُخطّط تقسيم وتفتيت هذا البلد، كما زيادة ضغوطها بشكل لافت على القيادة السورية..

ورُغم “تخفيف” مُحلّلين سياسيين وعسكريين من احتمال شنّ القوات الأميركية عملية عسكرية كبرى لقطع الحدود بين سورية والعراق، ربطًا بمحدوديّة عديد تلك القوات التي لا تؤهّلها القيام بهكذا عمليّة.

لكن يجب عدم إغفال اعتماد الاحتلال الأميركي على أدوات محليّة يُنفّذ من خلالها خُططه المطلوبة، ولا ضَير أن يُشعِل بنفسه اقتتالا بين تلك الأدوات للوصول إلى هدف كبير، فتندلع اشتباكات ضارية بين مُقاتلي العشائر وميليشيا “قسد”، و”يُقلّم أظافر” الأخيرة إرضاءًا لأنقرة، ولتنفيذ مُخطّط إقامة “إقليم سُنّي” يمتدّ من غرب الفرات إلى الموصل تُديره العشائر، وهو ما سيؤدّي حُكمًا للسيطرة على الحدود السورية-العراقية من دون انخراط “الأميركي” المُباشر والمُغامرة بعملية عسكرية يعرف جيّدًا خطورة القيام بها وأكلافها.. مع التذكير بما صرّح به رئيس هيئة الأركان الأميركية المُشتركة الجنرال مارك ميلي من الأردن بداية شهر أيلول الحالي وقوله: “إنّ منطقة الشرق الأوسط مهمّة جدًّا للولايات المتحدة، ولا يمكن تصوّر انسحابها منها”!

هذا عزمهم وكلامهم.. لكن لسورية ومحور المقاwمة.. كلامٌ آخر!

“الحزام الأمني” الموعود في الجنوب السوري لن يُبصر النّور. والجميع يعرف ما كان مصير شبيهه في جنوب لبنان بقيادة أنطوان لحد – هذا الكلام لأحد القادة البارزين في محور المقاwمة، مُذكّرا بالهزيمة المدوّية التي ألحقتها القوّات السورية بما يُسمّى “حزب اللواء السوري”، حين قضت على تشكيله العسكري وأقصت قائده يومذاك المدعو سامر الحكيم نهائيًّا عن الواجهة، في رسالة واضحة مرّرتها دمشق “لن نسمح بأي كيان انفصالي على الأرض السوريّة”..

وعليه، “على قادة الميليشيا الانفصالية –قسد أن يتحسّسوا رؤوسهم أيضًا منذ الآن”- وفق ما نقلت شخصيّة صحافية لبنانية مُخضرمة عن مصدر روسي وصفته ب “رفيع المستوى”، إكتفت بالتلميح إلى “أحداث كُبرى مُرتقبة” في سورية سيدفع “الانفصاليّون” فيها ثمنًا باهظًا مرّةً أخرى وسط تطوّرات دراماتيكيّة مُفاجئة في شرق الفرات!

“ماجدة الحاج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى