مقالات

غزة بين الهُدنة والفطنة

وليد عبد الحي.

هل كان اتفاق الهدنة بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية هو “ثمرة لدبلوماسية مصرية قطرية مسنودة أمريكيا ” أم هي نتيجة لواقع ميداني عسكري ؟ من العسير تفسير الظواهر السياسية ببعد واحد ، لكن من الضروري تحديد المتغيرات الرئيسية وتداعياتها ، لكي نتمكن من الترجيح بين الأبعاد المختلفة.دون مواربة ، اقول وبوضوح ان نيتنياهو قبل الهدنة مكرها، وأن عوامل اساسية اجبرته على القبول وأهمها:

أولا: رغم مرور شهر ونصف على القتال الدامي ،واستخدامه كل الطاقات العسكرية، فقد فشل بشكل كبير في تحقيق أهداف عسكرية ذات طبيعة استراتيجية، ويكفي الاشارة الى ان عدد القتلى بين قواته تزايد في الايام الاخيرة بشكل واضح ،وان قوات نخبته لم تتمكن من أسر مقاوم واحد،او العثور على نفق ذي دلالة ،او العثور على مخزن صواريخ او اسلحة ثقيلة، وبقي القتال في شمال غزة وجنوبها، وبقيت الصواريخ تصل الى تل ابيب ،وكان أخر رشقاتها امس.ثانيا: لم يتمكن من الوصول الى الرهائن لا العسكريين منهم ولا المدنيين، ولم يتمكن من انقاذ اي فرد منهم ،الى حد صناعة الاوهام بالوصول الى احداهن ثم تبين ان في الامر ملابسات تثير الشك تماما حول الواقعة.

ثالثا: تزايد الضغوط من اهالي الرهائن والاسرى من الاسرائيليين على الحكومة الاسرائيلية،واستمرار تحشدهم بين الحين والآخر امام منزل نيتنياهو او بالقرب من خارجيته او حول مركزه الحزبي، أو عبر الظهور في شاشات التلفزيون الاسرائيلي خلال البرامج الحوارية ،ويجري خلال ذلك توجية الاتهامات للحكومة الاسرائيلية بالتقصير.رابعا: تزايد النقد لنيتنياهو من كبار الشخصيات السياسية والعسكرية( ايهود باراك، نفتالي بينيت، رؤساء اركان سابقين، رؤساء اجهزة امنية سابقين…الخ)، وهو ما بدأ يشكل ضاغطا عليه لايجاد مخرج معين للأزمة.خامسا: التحول الملفت في توجهات الرأي العام الدولي، ويكفي ان اشير الى أن مراكز دراسات اسرائيلية وغربية قدرت حجم وعدد المظاهرات المساندة للفلسطينيين بعد اشتعال المواجهة بأنها عشرة اضعاف حجم وعدد المظاهرات المساندة لاسرائيل ، بل أن حوالي 85% من مضمون وسائل التواصل الاجتماعي في الصين كانت لصالح الفلسطينيين، وان عدد المظاهرات في الدول الغربية بما فيها أمريكا كانت الغلبة فيها للفلسطينيين.سادسا: تزايد مشاركة اليهود خارج اسرائيل في المظاهرات ضد اسرائيل بسبب الصورة الكريهة التي تعرضها وسائل الاعلام للجرائم الاسرائيلية في الدول التي يتواجدون فيها،وهو ما جعلهم يتحسسون الآثار بعيدة المدى عليهم.سابعا: الرغبة الامريكية في لجم الصراع الذي استثمرت روسيا والصين اشتعاله لاغراضهم الخاصة، ناهيك عن التذمر الشعبي من تزايد الاعباء الاقتصادية على امريكا لدعم اسرائيل فوق الدعم لاوكرانيا، كما ان امريكا على ابواب البدء بالحملات الانتخابية الرئاسية.ثامنا: الاعباء الاقتصادية للحرب على الاقتصاد الاسرائيلي ، وابرز ذلك :أ‌- انفاق حوالي 280 مليون دولار يوميا وتتزايد كل يوم.ب‌- هناك 810 آالاف فقدوا وظائفهم بسبب الالتحاق بالعمل العسكري او بسبب توقف الجهات التي يعملون فيها او بسبب وجود مقار عملهم في مستوطنات اصبحت مهجورة في شمال فلسطين وجنوبها،

ت‌- وجود حوالي 250 الف مستوطن غادروا المستوطنات بطلب حكومي بسبب هجمات المقاومة في شمال فلسطين وجنوبها

ماذا يعني ما سبق:أنه يعني ان قبول الهدنة لم يكن في جوهره ولا بأي شكل من الأشكال

– نتيجة “دبلوماسية خارقة من مصر او قطر”، بل هو نتيجة لصلابة المقاومة اولا ، وجبروت المواطن الغزي ثانيا ،واعباء الحرب على اسرائيل ثالثا ، واحساس نيتنياهو رابعا

أن الرياح لا تجري كما تشتهي سفنه، وهو سياسي عقلاني يعرف متى يكر ومتى يفر.

وماذا بعد :أملي ان تضع المقاومة في اعتبارها ان احتمالات الخديعة بشكل كلي او تفصيلي أمر وارد للغاية ، ورغم الاطلاع على الاتفاق

– في مسودته الأخيرة ولكن غير الرسمية

– فان بعض التفاصيل والمفردات قابلة للتأويل والتذرع بها من قبل اسرائيل، وسأعطي امثلة:

1- عبارة ادخال مئات شاحنات الوقود والطعام، وهنا اسأل لماذا لا يكون النص واضحا في تحديد اوزان وكميات، لان بعض الشاحنات تتسع لعشرات الاطنان وبعضها تتسع لبعض الاطنان ، فعبارة مئات الشاحنات قابلة للتاويل.

2- لاحظت ان الاتفاق ينص على الافراج عن 50 رهينة اسرائيلية(على دفعات) ولكن بخصوص المعتقلين الفلسطينيين مرة يقال 150 ومرة 300 ومرة يقولون “عددا من …الخ.

3- ان الهدنة قابلة للتمديد ، هل سيتم الاتفاق على التمديد خلال ايام الهدنة الاربعة ام مع نهايتها ويصبح الامر ملتبسا تماما.

4- اتساءل لماذا لا تطالب المقاومة بإشراك روسيا او الصين او مندوبا من الامم المتحدة في المفاوضات ،فالمقاومة تقف في مواجهة فريق تفاوضي كحال علي بابا والاربعين حرامي.

5- يجب ان تشترط المقاومة

–ولو من باب الاحراج الدبلوماسي والاعلامي

– ان تتعهد اسرائيل بعدم ضرب المستشفيات أو اخلائها من المرضى او النازحين اليها، فيكفي ان يثار الموضوع ويجري الاعلان عن رفض اسرائيل التوقف عن ضرب المستشفيات والمدارس .

لا شك ان جراح غزة وآلامها تفوق طاقة البشر على الاحتمال، ولا شك ان موازين القوى وظلم ذوي القربى بل وخداعهم يحتاج الى يقظة،..لاني اخاف في العالم العربي من المعارك السياسية اكثر من خوفي من المعارك العسكرية..

والتاريخ في هذه النقطة يقف الى جانبي..

فيا سارية الجبل الجبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى