مقالات

هل ما تراه هو فعلا ما يجري ؟ إنها ليست المقاومة وحماس .. وإنما مشروع لإنهاء كل فلسطين وفقا للويس وكيسنجر

ما يقترفه الاحتلال الإسرائيلي من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في قطاع غز ة الفلسطيني في منتصف تشرين الأول \ أكتوبر ٢٠٢٣ بعد عملية “طوفان الأقصى” – “طوفان القدس” ( الثورة الكبرى) التي صعقت العالم يوم ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ هو ليس رد فعل على عملية عسكرية غير مسبوقة وإنما لأهداف أوسع من “فقط” القضاء على المقاومة الفلسطينية عموما وحركة حماس على وجه التحديد بهدف “التخلص من الارهاب”.

إن ما يطمح الاحتلال لتنفيذه ولذلك فهو يجند رؤساء الغرب الجمعي الاستعماري في اطار حملة دعائية شديدة يعرف بعضهم حذافيرها ولا يعرف آخرون هو تغيير جغرافية فلسطين لا بل العالم العربي بالكامل.

ما يقوم الاحتلال بتسويقه في الإعلام هو أنه يريد القضاء على الارهاب ولكي يقضي على الارهاب فهو لا يريد قتل عدد كبير من الفلسطينيين الغزيين (رغم أنه يدك بهم بأسلوب الإبادة باستمرار) ولذلك فهو يأمرهم ويهددهم بضرورة الرحيل جنوبا بشكل “مؤقت” لغاية اتمام المهمة، بينما الهدف (هو خداعهم) على أنهم سيعودون الى بيوتهم ( التي قد تنسف بالكامل) بينما المخطط لهم هو الا يعودوا أبدا (كما حصل في نكبة ١٩٤٨) ويتموضعوا في شمال سيناء بشكل دائم كجزء من مصر (التي أصلا يخطط لها مشروع تقسيم آخر). فما يريده الاحتلال الإسرائيلي هو تهجير سكان قطاع غزة الى سيناء المصرية والسيطرة على قطاع غزة بالكامل لتكون منطقة عازلة ( Buffer Zone) ما بين دولة الاحتلال ومصر على ان يتبخر حلم اقامة الدولة الفلسطينية وبدون رجعه، حسب حلمهم. طبعا لن يغيب عليهم عامل الاستغلال الاقتصادي. لكي يكسبوا العمالة الفلسطينية الرخيصة (على غرار حطابين وسقائي ماء) سيقررون إبقاء عددا محصورا منهم، مثلما حصل عام ١٩٤٨ أيضا، (يُسيطر عليهم أمنيًا وبالتبعية المالية) وبدون طموحات قومية تهدد كيانهم الغاصب. وفي هذا الإطار لقد صرح وزير حربهم غالانت بدون تفسير: “أن غزة لن تعود لما كانت عليه. فما القصد إذا؟

أ. تصفية اكبر عدد من المقاومين من كل الفصائل. ب. تدمير أكبر نسبة من ” مدينة الأنفاق” وذلك قد يعني تدمير نصف قطاع غزة. ج. تهجير اكبر عدد من الفلسطينيين من قطاع غزة. د. بعد ذلك تسليم القطاع ( وديمغرافية قليلة) لعصابة عملاء ( مع رئيس “فلسطيني” للعصابة) لادارتها تحت اشراف “الشاباك” ! إن هذا التفكير ليس جديدا بل جزء من مخطط الشرق الأوسط الذي سهر عليه كثيرا المؤرخ/المستشرق البريطاني – الأميركي الصهيوني المخابراتي برنارد لويس ( 1916‪-‬2018) مع شريكة الصهيوني الآخر وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسينجر(مواليد 1923)‬ عندما انتقل لويس من لندن الى أمريكا.

منذ أن وصلت الى لندن لدراسة الدكتوراة كان قد ضايقني يوميا ( وذلك بسبب حديث غالبية الباحثين في الكلية عن توجهاته) شبح لويس في أروقة الكلية ذاتها والطابق ذاته والذي كان قد غادره قبل ربع قرن من وصولي أنا عام ١٩٩٩ الى حامعة لندن. لويس حصل على البكالوريوس وبعدها الدكتوراة من جامعة لندن (كلية الدراسات الشرقية والأفريقية) ما بين ١٩٣٨-١٩٤٩ حيث عيُن استاذا في موضوع التاريخ عام ١٩٤٩. الا أنه ترك كلية “سواس” ( SOAS) عام ١٩٧٤ متوجها الى جامعة برينستون في أمريكا حيث بدأ التعاون بينه وبين هنري كيسينجر بكل ما يتعلق بالشرق الأوسط.

إن مشروع السيطرة الصهيو – أمريكية على العالم العربي وفقا “للعملاقين الصهيونيين” (ولويس بالتحديد) قد يتحقق على مراحل ووفقا للظروف في كل دولة وبالتأكيد وفقا لنسبة نجاح المؤآمرات فيها – عبر تطبيق هدفين: الأول هو ‪“‬لبننة‪”‬ من لبنان ( Lebanonisation ) العالم العربي، أي تقسيم المناطق الجغرافية وفقا للتواجد الطائفي عموما وبشكل قريب مما كانت عليه لبنان أثناء الحرب الأهلية ما بين 1975‪-‬1990 .

وهذا سيؤدي لتطبيق الهدف الثاني وهو التخلص من الدولة العربية القومية المناوئة للدولة الصهيونية على أساس القبول بالدولة اليهودية لطالما ان الدول تخضع لمنطق الدين والطائفية ؟! إن المشروع المخادع الذي أسموه زورا وتسويقا بـ “الربيع العربي” والذي أسميته في مقالة لي في عام ٢٠١٢ “بالهزيع العربي” ما هو إلا برنامج لتفتيت العالم العربي وتقسيمة: العراق ولبنان وسورية ومصر والسودان وليبيا واليمن والخ فقا لهذا المشروع الكبير. ومن هذا المنطلق فلا يوجد في خارطة برنارد لويس مكان لدولة فلسطين القومية كوطن مستقل للشعب الفلسطيني. منذ ان هزم نتنياهو شمعون بيرس في أيار ١٩٩٦ بعد اغتيال اسحق رابين، كان الهدف الأعلى للاحتلال الاسرائيلي ( ونتنياهو بالتحديد) هو منع قيام دولة فلسطينية: لا على 25 % ولا حتى 5% ! كما أن الاحتلال يريد أن يستأصل أي نوع من أنواع المقاومة الفلسطينية في كل مكان (أنظروا ماذا اقترف ضد الجبهة الشعبية في الضفة الغربية على مدار العقدين الأخيرين ). وبالتالي فإن استعمال مفردات مثل “محو” (إزالة) بالنسبة لغزة ليس خاصا بغزة، فقد قالوا ذلك عن حوارة – نابلس وغيرها. فما يخطط له هو التخلص من الفلسطينيين في قطاع غزه وتهجيرهم الى مصر والسيطرة على جنوب فلسطين. أما وقد حصلت السيطرة على غرب فلسطين في نكبة ١٩٤٨ فما تبقى لهم هو تحويل أكبر عدد من الفلسطينيين الى الأردن لطالما أن الضفة الغربية آخذة بالتغلغل بالمستعمرين اليهود من كل العالم وتحويل الأردن الى “الوطن البديل” ولكن أيضا مع إبقاء شريحة عمالية خدماتية. من هنا نفهم رضاء الدولة الأردنية على المظاهرة المليونية التي خرجت يوم الجمعة ١٣ تشرين الأول ٢٠٢٣ صد جرائم الاحتلال في قطاع غزة حيث كان الهتاف المركزي “قالوا حماس ارهابية – كل الأردن حمساوية” لتأكيد دعم كل الأردنيين للمشروع الوطني القومي الفلسطيني وللمقاومة ولقطع الطريق على الاحتلال الإسرائيلي المساس بأمن المملكة الاردنية ومستقبلها. ولهذا فقد سمعنا أن الادارة الأمريكية حاولت وتحاول متبنية اسلوب الضغط التسويقي (والذي يأخذ طابعا تهديديا ارهابيا ( واقتصاديا) احيانا) الضغط على مصر والأردن ومحمود عباس بشكل خاص القبول بهذا المخطط رغم عدم طرحه عليهم بهذه التفاصيل الفكرية الكاملة. طريقة التنفيذ التكتيكية لهذا المخطط هو فرصتهم باجتياح بري يؤدي إلى تهجير ولجؤ وتحويل غزة الى تابع اقتصادي ضعيف. للدفاع عن جرائم الاحتلال ولمنع توسيع حرب الإبادة الى جبهات اضافية بدأت أمريكا بالتهديد والوعيد بسفينة/ حاملة الطائرات الحربية “فورد” وزيارات وزراء واشنطن وغيرها بالتزامن مع حرب نفسية والتي تشمل الأكاذيب والخداع والمراوغة والتضليل والابتزاز.

اجتياح الاحتلال لقطاع غزة لن يكون نزهة لأن المقاومة متعددة الأساليب. ولربما قبل الاجتياح سيتم فتح جبهات من عدة جهات ( بالتحديد في حال عدم رفع الحصار اللانساني: صحة/طب ومياه وكهرباء وغذاء ووقود ) لأنه اذا استمر التعنت الصهيو – أمريكي ولم تقم جبهة المقاومة بالتآزر والدفاع عن قطاع غزة فقد تُضعف مصداقيتها في أوساط حاضنتها الشعبية أولا. وأشك أنها ستقبل بذلك. الاحتلال والذي بات واضحا أنه فعلا “أوهن من بيت العنكبوت” يعي ذلك وهذا هو سبب استجداء واشنطن رأس حربة الاستعمار للمساعدة أمام جبهة المقاومة. من يمكن أن يمنع تنفيذ هذا المخطط الجهنمي؟ إضافة إلى ضغط عالمي رسمي وشعبي يُمارس على الاحتلال ( بالتحديد وليس فقط) هي إقليميًا، مصر والسعودية، و “محليا” الأردن و”القيادات” الفلسطينية … و\أو اشتعال شعبي شرق فلسطين المحتل عام ١٩٦٧ بمواجهات عنيفة غير مسبوقة إضافة إلى رأي عام عالمي ضاغط على الاحتلال كما هو حاصل في الأيام الثلاثة الماضية بعد صدمة “طوفان الأقصى/ القدس “. ممكن أن يكون هذا المنع قبل وخلال أو بعد حرب قصيرة لكن بعدها ( ووفقا لحجم الإبادة الدمار ) ستدخل بعض الدول كوسيط وابرزها ستكون الصين وروسيا مع دولة اسكندنافية اضافة الى اللاعبين الاقليميين. أذكر هنا أنه خلال ندوة عن القضية الفلسطينة نظمها مركز كيمبريدج لدراسات فلسطين قبل عامين كنت قد أدرتها وشارك فيها الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي والذي قال أنه ممكن أن يحاول الجميع التدخل بالقضية الفلسطينية وممكن الضغط والوساطة لكن في النهاية لا أحد يقرر للشعب الفلسطيني غير الفلسطينيين أنفسهم.أما وقد فهمنا أن المشروع المبيت هو ليس المقاومة وحماس… وإنما مشروع لإنهاء كل فلسطين وفقا للويس وكيسنجر وكآلية مشروع التهجير، خطرني التذكير أنه في صباح 13.10.2023 كنت قد غردت بالتالي :”نداء عاجل لشعبنا في قطاع غزة. إلى اخوتي واخواني في قطاع غزة. أعرفكم عن كثب فقد عشت معكم ولم تسل دمائي الا في غزة ولم أعالج الا في مستشفى الشفاء. أنتم رمز المقاومة والصبر والثبات. ولن نلقنكم دروسا وإنما نشد على أياديكم في هذه المحنة الغير مسبوقة والفترة الحالكة والمصيرية. وبما أنكم تخضعون الآن لحملة تخويف بهدف التهجير فسأتلو عليكم سريعا قصة قومية عائلية. في مطلع أيام النكبة الفلسطينية في أيار/مايو عام 1948، كانت جدتي ( مدام خوري) محاصرة في منزلها في حي العجمي في يافا. وكانت أرملة مع ابنتها الوحيدة. وكان قد بدأ القتل والتهجير عبر الميناء اليافي الشهير بالأساس ومعهما الحرب النفسية بهدف تهجير الفلسطينيين. أصرت جدتي على البقاء في بيتها وبشكل صارم. لا يل أكثر من ذلك، بدأت جدتي تُقنع من استطاعت من الجيران قائلة :” أفضل أن نموت في بيوتنا مما أن نصبح لاجئين”.

وأقنعت من أقنعت في حارتنا وبقيت وعاشت لعقود في بيتها في يافا لتصبح من “نُجاة النكبة” وليس من ضحاياها (القتلى) أو لاجئيها.” أعرف أنكم لن تسمحوا للويس وكيسنجر وطلابهما تقرير مصير الشعب والفلسطينيين ( ولو أنهم يحاولون تقرير مصير 400 مليون عربي) وبقية العالم. خجلا منكم يا أهلنا في قطاع غزة، فهذه المرة ( كما حصل في مراتٍ سبقت) يقع الحمل عليكم ويا للعار والأسف – يقع على قطاع غزة بشرا وحجرا.

أنتم الذين تدفعون فواتير الكرامة بأشلائكم. كقصة عشاء يسوع المسيح الأخير ومحاكمته وموته في القدس.

وكيف يمكن لقطاع غزة أن يسدد دين خطايا الجميع؟تقولون للعالم؛ هذا هو جسدنا. هذا هو دمنالمغفرة خطايا الجميع. وستبقون على العهد.

الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للمصابين والصبر والثبات للشعب الفلسطيني في قطاع غزة بالتحديد. دمتم سالمين بقدر المستطاع.

إنها ليست المقاومة وحماس… وإنما مشروع لإنهاء كل فلسطين وفقا للويس وكيسنجر،،، الحذار الحذار ‼️

أ . د . مكرم خوري مخول

أكاديمي فلسطيني- بريطاني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى