مقالات

هل حقا انهارت المصالحات العربية وبين السعودية وايران؟

بيروت؛ ٩-٨-٢٠٢٣
ميخائيل عوض
سبق اعلان السفارة السعودية لرعاياها في لبنان – وليس فيه من رعايا سعوديين او بحرانيين- وشاع خبر بلا مصدر عن ابلاغ السعودية سورية بوقف اجراءات المصالحة والتطبيع واستنكاف السعودية عن اعادة سفارتها واتبع التسريب فاقد المصدر والمصداقية بأخبار عن تأزم العلاقات السعودية الايرانية وتعليق تطبيع العلاقات. وبدأ النافخون برماد الفتن بث السموم والتهويل، وحشدت اخبار وتحليلات ودراسات  اتخمت الوسائل والوسائط لاشغال البال.
بيد ان كل ما قيل ويقال لم يستند الى وقائع صلبة او مصادر رسمية معروفة او ذات مصداقية، ولا عولجت الامور بتحليلات باردة وعاقلة. وبما ان الناس والبلاد مأزومة حتى الثمالة فالمنطقي ان تنشد الانفراجات وترغبها بسرعة البرق، كن فيكون، والجميع يأمل بعد طول معاناة وضغط الازمات ان يبدأ بالمصالحات زمن الانفراجات ويستعجلونها.
سرت الاكاذيب والاوهام سريان الماء في الوديان ومازال الحبل على غاربه.
في المعطيات المادية الواقعية الصلبة، لا شيء يخيف، وليس من تعطيل للمصالحات ومن عاشر المستحيلات عودة عقارب الساعة الى الوراء.
 فقد اسست المصالحات العربية وبين السعودية وايران وبرعاية صينية على ارض صلبة، وفي بيئات جدا مناسبة، وبعد تحضيرات جدية وعلى زمن طويل، وشكلت المصالحات نقطة بداية نوعية لتحقيق انجازات وتحولات فرط استراتيجية واصبحت واقع معاش وملموس يستحيل الانقلاب عليها، او اعادة تغير الاتجاهات، وليس من قوة قادرة على عكس الاتجاه، ولن يفيد ضخ المعلومات والتحليلات والامنيات والاوهام في العالم الافتراضي ومهما بلغت من ذروة لن تترك اثرا في الواقع المعاش.
الحقائق المعاشة تفيد ب ؛
–        محمد بن سلمان قاد تغيرا جوهريا في السعودية واسرتها ونظامها وانجز تصفية الوهابية ورعاتها واقصى كتل وتيارات في الاسرة والاجهزة شبت وشابت على الولاء للأمريكي وتنفيذ الاوامر دون نقاش وانخرطت ومولت حروب امريكا في العرب والمسلمين دون مصلحة او جدوى.  
وبعد ان اكمل خطته لإعادة هيكلة الدولة والعلاقات في الاسرة والدولة واطلق مشروعه لعصرنة وتحضير السعودية واعلن مشروعاته الطموحة في خطة السعودية ٢٠٣٠ وبتقانة ومعرفة تسجل له قرر التصالح مع ايران بعد ٤٥ سنة من الحروب العبثية والتدميرية وفي كل الجولات خسرت السعودية وامريكا المعارك.
جاء قرار بن سلمان عن وعي ومعرفة وبعد تجارب مريرة ومعرفة عميقة بأمريكا وازماتها ومشاريعها وتخليها عن الحلفاء فتجربة افغانستان طرية وطازجة. وجاء قراره واعيا عارفا ما يرتبه من تغيرات وما يستدرجه من عدوات والاهم بفعلته انها جاءت بعد ان امن نفسه ومشروعه اولا في السعودية ومن ثم اسهم في اطلاق دور ومكانة للصين لم يسبق ان حصل منذ بدء التاريخ وفي خلفية المشهد والتحضيرات والانجاز تقف روسيا وبوتينها القائد الفذ الثابت انه القادر والساعي الى انهاء ودفن العالم الانكلو ساكسوني والمبادر من اوروبا والحرب الاوكرانية الى السيطرة على القطب الشمالي وتحقيق المفاجآت في افريقيا والساعي الى تمكين الكاريبي وامريكا اللاتينية.
–        ساذج ولا يعرف شيء من يفترض ان بن سلمان انفتح على سورية وفرض رئيسها نجم قمة جدة، دون ان يتحسب لردود الفعل الامريكية. واكثر سذاجة من مازال مقتنع واو يروج ان التطورات في المصالحات جاءت بطلب وبسماح امريكي ولتحقيق غايات واستراتيجيات امريكية حصرا.
 وواهم ومهرول من افترض وروج لانعطافه سعودية وقبول بن سلمان التطبيع مع اسرائيل بمجرد ان زارتها وفود امريكية ولرغبة عند بايدن لإنقاذ اسرائيل وانقاذ شعبيته المنهارة عشية الانتخابات الرئاسية. فسرعان ما تبخرت الحملة وانحسرت وستلحق بها واسرع انحسار الحملة الزاعمة بانهيار المصالحات واو بهجوم امريكي مضاد في سورية ولبنان والعراق وباستهداف ايران، فقد زال وتبخر زمن الاوهام بقدرات امريكا وجاهزيتها للحروب بعد خساراتها المتتالية في كل مكان وانحسار نفوذها المتسارع .
وعليه؛ يمكن التأكيد على ان المصالحات انهت قرن من الاشتباك العربي العربي ونصف قرن من الاسلامي الاسلامي استهلكت بشر وتحالفات وعمران، وانهكت كل الاطراف، فالمصالحة  تشكل انعطافة حادة وتغير الاتجاه وبمثابة نقطة ارتكاز لتحولات متعاظمة بما فيها استيلاد  دور عالمي هجومي للصين وتقدم للنفوذ الروسي وتعاظم البريكس وشنغهاي وكل ذلك على حساب ما كان من تفرد وسيطرة وهمجية امريكية اطلسية وقد قررت حاجات الأزمنة والجغرافية وحقائقها هذه المعطيات والوقائع واطلقت التحولات النوعية ومثلت المصالحات لحظة التحول من التراكمي الى النوعي.
بيد ان سوري وايران والسعودية ورعاة المصالحات الصين وروسيا لا يطلبون الامر قبل اوانه ولا يفرطون بقيمة وفاعلية الزمن ومراكمة التحولات بهدوء وبلا ضجيج اعلامي والجميع لا يستعجلون الاشتباك المباشر مع امريكا وقادرون على المناورة والتطمين واحتواء وهضم التهديدات الامريكية بتبريدها والانقلاب عليها.
لكل امبراطورية باغية زمن وصلاحية وبما ان امريكا والاطلسي في قلب ازمات اقتصادية عاصفة ودنت سنة الانتخابات الامريكية وستدخل امريكا سنة الغيبوبة فليس من مصلحة للاستعجال ولتظهير الاتفاقات والعلاقات التي تتعمق وتجري سلسة في الظل وتحت الطاولات وعندما يحين الموعد المناسب ستكون المزيد من المفاجآت والاحداث غير المتوقعة.، كما كان اعلان المصالحة السعودية الايرانية من بكين وبدون استخدام اللغة الإنكليزية في التفاوض والمؤتمر الصحفي فقد جاء الاعلان توقيتا ومكانا وشكلا ومضمونا مفاجئا كصاعقة، فمن غير المستبعد ان تكون الاحداث والتطورات المرتقبة في تلميع وتطوير العلاقات السعودية الايرانية والعربية السورية مفاجئة عندما يحين الوقت وتنضج الظروف….
فان غدا لناظره قريب.
وليشرب المراهنين الواهمين على فشل المصالحات البحر وليزداد عطشهم لماض درس ويسارع الى زاوية النسيان.
الزمن يجري… وما بات فات … وغدا هو مبتغى البشرية والشرق جهتها حيث تبزغ الشمس.
فلا شيء يشي بتأزم العلاقات الايرانية السعودية ولا خوف على المصالحات العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى