مقالات

محطات في كواليس زيارة الرئيس الأسد إلى بكين

أشبعت الزيارة الهامة جدا، التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى العاصمة الصينية بكين، بحثاً في مجرياتها ونتائجها، والتي كان أهمها توقيع الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين، والذي يعتبر نقلة نوعية تتجاوز العلاقات السورية الصينية، إلى تأثيرها المباشر على مجمل الخريطة الجيوسياسية في المنطقة، لكن ثمة أشياء وراء الكواليس، كانت حاضرة بقوة في أجواء الزيارة، وتتحكم بنتائجها ومساراتها، وهي في بعض جوانبها أهم بكثير، مما ظهر في وسائل الإعلام عن الزيارة.ففي العلاقات الدولية، لا يوجد عواطف ولا أحلام وأماني، وإنما مصالح فقط، والإدارات الجيدة في الدول، هي التي تستطيع تشبيك علاقات صحيحة، تتناسب مع مصالحه شعوبها.بالتأكيد إن دولة عظمى مثل الصين، تعمل على تزعم العالم اقتصاديا، والمشاركة في تسيير الحضارة البشرية، كقطب رئيسي في عالم متعدد الأقطاب، تَزينُ مواقفها بدقة مع من تتحالف، وتعرف أين تعمل، وأين تقف، وهو ما يجعلنا نأخذ مجريات زيارة الأسد إلى بكين ونتائجها، بكل جدية والاهتمام.لا بد أولا من ملاحظة أن الصين، التي ترددت سابقاً في السير بمثل هذا الاتفاق، لم تكن لتقدم عليه اليوم، لولا أنها رأت أن مصالحها الاستراتيجية تتطلب ذلك، وأن الأجواء الجيوسياسية الإقليمية والدولية، أصبحت مهيأة لمثل هذ الخطوة، وتدرك أن استكمالها يتطلب عملا، يجب أن تكون موجودة فيه، وهنا يمكن التوقف عند عدة نقاط، تشكل أهم كواليس لقاء الرئيسين الأسد – جين بينغ، وستكون أحد أهم عوامل تشكل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، في المنظومة الاقليمية والدولية، التي تتشكل على صفيح ساخن ومن أهم محطات هذه الكواليس. الاحتلال الأمريكي في سورية خاصة، وفي العراق وكامل منطقة غرب آسيا عامة، والذي يشكل تهديداً مباشراً لمصالح الجانبين، حيث يحتل أجزاء واسعة من الأراضي السورية، وتحديداً في التنف وشمال شرق سورية، حيث الحدود السورية العراقية، ومنابع النفط والغاز، وإنتاج القمح والقطن والمحاصيل الاستراتيجية، والتي كانت أحد أهم مجالات التعاون، التي لحظها الاتفاق الاستراتيجي الصيني السوري، وليس سراً أن أحد أهداف هذا التواجد الأمريكي، هو فرملة الصين، ومحاولة حصارها، وقطع طريق مشروع الحزام والطريق، الذي لا يمكن أن يكون آمنا، ما لم يكن طريقه عبر العراق وسورية، وصولاً إلى الموانئ السورية آمن، وهذا سيجعل الصين شريكاً رئيسياً، ولو بشكل غير مباشر، في أي عمل ميداني، لإخراج الأمريكيين من سورية، ومن العراق تالياً، خاصة وأن هذا الهدف، يحيي الاتفاق الاستراتيجي بين الصين والعراق، الذي تم تجميده بسبب التواجد الأمريكي.. الاتفاق الأمريكي الهندي، لفتح طريق الهند – أوروبا، بالتأكيد كان حاضراً وبقوة في كواليس الزيارة، وربما سرع من حدوثها، وفي نقل العلاقة بين بكين ودمشق إلى المستوى الاستراتيجي، لأن الاتفاق يتعارض مع مصالح البلدين، فهو من جهة محاولة أمريكية تلاقت مع مصالح هندية، ليكون المنافس لمشروع الحزام والطريق الصيني، كما أنه يتناقض مع المصالح السورية، لأنه تجاهلها تماما، ويدور حولها إلى الكيان الصهيوني، مما يجعل المصلحة مشتركة بين دمشق وبكين، حتى لا تنجح مهمة هذا الطريق، ليكون المنافس لمشروع الحزام والطريق الصيني، الذي يتخذ من الموانئ السورية على المتوسط، نافذته الأساسية، باتجاه أوروبا وسواحل أفريقيا المتوسطية.** الموضوع التركي، يشكل أيضاً أحد أهم تلاقي المصالح بين البلدين، فبكين لن تنسى نهائياً الدور التركي في مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي يعتبر محاصرة الصين، وفرملة صعودها، أحد أهم أهدافه، وأن أردوغان، الذي يتولى مهمة نائب المدير التنفيذي للمشروع، انخرط بعمق في حالة عدائية نحو الصين، عندما جلب الإرهابيين الإيغور الصينيين (التركستان) إلى سورية، وتدرك بكين أن مهمتهم في سورية، كانت كتدريب عملي وميداني، لمهمتهم الرئيسية وهي داخل حدود الصين، فيما لو قيض للمشروع أن ينجح في سورية. وليس سراً أن الموقف الصيني ومن وجود الإرهابيين الإيغور، الذين يعملون بإشراف ورعاية تركيا مباشرة، هو القضاء عليهم تماما، وعدم عودة أي منهم، وهذا بالتأكيد يستدعي وجودا صينينا قوياً، وإن كان غير مباشر، لتنفيذ هذه المهمة، التي تتلاقى مع المصالح السورية.

أحمد رفعت يوسف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى