الأخبار العالميّة

الرؤية الروسية لليوم التالي في غزة


كتب ليونيد سافين على موقع جيوبوليتكا:
لن يكون من المبالغة القول إن معظم الناس في العالم يطرحون الآن السؤال التالي: “متى تنتهي الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني؟ وماذا سيحدث بعد ذلك؟”.

لا بد أن تكون قضية السلام في فلسطين، وحصول الفلسطينيين على دولتهم، كما جاء في عدد من قرارات الأمم المتحدة، هي الأولوية، لا سيما بعد عملية التدمير المنهجي للمنازل والبنية التحتية (مستوى الدمار يتجاوز عواقب القصف الشامل لمدينتي دريسدن ولايبزيغ الألمانيتين عام 1945)، وبعدما بلغ عدد الضحايا المدنيين (بحلول نهاية ديسمبر/ كانون الأول، أكثر من 20 ألفًا، ثلثاهم من النساء والأطفال). حدث كل هذا دون أي محاسبة أو عقاب للنظام الصهيوني؛ وعليه فإن كل إنسان عاقل يدرك ضرورة تغيير الوضع الراهن، وإيجاد حلول نهائية ليتمتع الفلسطينيون بحياة سلمية.

من الصعب الآن التنبؤ بموعد انتهاء هذا الصراع بالضبط. صرح- مؤخرًا- رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الإسرائيلية هرتسي هاليفي أن: “هذه الحرب لها أهداف معقدة، وتُخاض على أرض معقدة؛ لذلك ستستمر عدة أشهر أخرى. نحن نركز الآن جهودنا في جنوب قطاع غزة، بما في ذلك خانيونس، ونواصل تعميق المكاسب في شمال قطاع غزة”؛ لذلك، يمكن الافتراض أن الأشهر الثلاثة الأولى في عام 2024، ليست سوى المرحلة الأولى من هذه الحرب الدموية حقًّا. وبناء على الحقائق المتوافرة، يمكن الافتراض أن إسرائيل لن تكتفي بملاحقة حماس، كما أعلنت رسميًّا؛ بل ستحاول تقويض التركيبة السكانية للشعب الفلسطيني من أجل تغيير توازن النمو السكاني؛ من خلال التطهير العرقي، وإجبار أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الرحيل إلى مصر، وكذلك الأردن، وسوريا، ولبنان.

وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل لا تستطيع تنفيذ هذه الخطة بمفردها. بدأت الولايات المتحدة بتقديم المساعدة العسكرية اللازمة لإسرائيل منذ الأيام الأولى للصراع الحالي، مؤكدة بذلك إستراتيجيتها الطويلة المدى لتطبيق الهيمنة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعتبر إسرائيل الوكيل الأول والموثوق به للسياسية الأمريكية. ومع أن المسؤولين في واشنطن يتظاهرون بأن وقف إطلاق النار والتسوية ضروريان، فإن هذا- في الواقع- ليس أكثر من مجرد أداة بلاغية؛ فإذا كانت الولايات المتحدة مهتمة حقًّا بإحلال السلام، فإنها لن تنقل المساعدات العسكرية إلى إسرائيل؛ بل على العكس من ذلك، فإنها ستخضعها للعقوبات. وتظهر تصرفات الولايات المتحدة- مرة أخرى- سياسة منافقة ذات وجهين تجاه العالم أجمع، ولكن قبل كل شيء، تجاه الفلسطينيين، والعرب، والمسلمين.

ومع ذلك، فإن الصراع سينتهي عاجلًا أو آجلًا. وقد ينتهي أيضًا بهزيمة إسرائيل، كما كانت الحال في الحرب مع حزب الله في لبنان عام 2006. وربما، بتدخل بعض الدول ووساطتها، يصبح من الممكن الفصل بين الجانبين خارج الخطوط الفاصلة التي كانت قائمة قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. على الرغم من ذلك، يبدو أن إسرائيل ستستمر في إطلاق العنان لكل قوتها العسكرية وأجهزتها القمعية ضد الفلسطينيين حتى تقرر أن هذا يكفي (أو ربما لأسباب موضوعية تتعلق بإرهاقها). هناك أيضًا سيناريو مروع، حيث قد لا تشتعل النيران في الشرق الأوسط بكامله فحسب؛ بل قد تبدأ أيضًا حرب عالمية جديدة، لكننا لن نفكر في ذلك، وسنقتصر على أحد الإصدارات المقترحة سابقًا. كيف سيكون النظام القائم؟ في كل الأحوال لن يكون سلامًا، بل غيابًا مؤقتًا لحرب جديدة، وسوف تستخدم جميع الأطراف هذه المهلة لتحقيق أهدافها الخاصة في المستقبل.

كيف تنظر روسيا إلى هذه العمليات؟ بادئ ذي بدء، من المهم أن نفهم أن فلسطين- مثل أوكرانيا- هي جبهة أخرى للنضال ضد الهيمنة الأحادية القطبية للولايات المتحدة والعولمة، وهي جبهة لنضال قوى مقاومة الغرب المدمر، وهو تحالف قوى الثقافات والأديان التقليدية (لم تتشكل بعد كتحالف واحد) ضد قوى الشر والانحطاط. فيما يتعلق بروسيا، فإن النصر على الجبهة الفلسطينية لا يقل أهمية عن النصر في أوكرانيا، والعكس صحيح. وفي الوقت نفسه، فإن روسيا ليست مشاركًا مباشرًا في الصراع الفلسطيني، وهناك علاقات دبلوماسية مع كل من إسرائيل وفلسطين. ومع ذلك، فإن الاعتداءات الإسرائيلية المنتظمة على سوريا، التي تُعد روسيا حليفًا لها، أدت إلى خفض مستوى الثقة بين إسرائيل وروسيا انخفاضًا كبيرًا. ويجب أن نتذكر أيضًا أن إسرائيل مذنبة بتدمير طائرة عسكرية روسية في سوريا من طراز “إيل -20″، ومقتل جميع من كانوا على متنها (15 قتيلًا) في سبتمبر (أيلول) 2018، ثم ألقى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو باللوم على إسرائيل.

من غير المرجح أن يتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نتنياهو من الحصول على أي دعم من القيادة الروسية؛ لأنه ليس لديه ما يقدمه، وتبين أن وعوده السابقة تجاه روسيا كانت مجرد حيل ماكرة، ولم تجلب لروسيا أي فائدة. من المهم أيضًا ملاحظة أن النازيين الجدد الأوكرانيين دعموا إسرائيل بنشاط ضد الفلسطينيين، وقد ساعد مواطنون إسرائيليون سابقًا المجلس العسكري في كييف على قتل السكان المدنيين في دونباس، ومنذ فبراير (شباط) 2022، قاتل بعضهم علنًا ضد روسيا، منحازين بذلك إلى جانب النظام في أوكرانيا. ونظرًا إلى استراتيجية السياسة الخارجية الروسية الحالية، فإن إسرائيل أصبحت عمليًّا على بعد خطوة واحدة من اعتراف روسيا بها دولةً غير صديقة.

بطبيعة الحال، فإن الموقف الرسمي الروسي هو ضرورة إنشاء دولة فلسطين؛ ولهذا ستبذل موسكو جهودها الدبلوماسية في هذا الاتجاه، وستستغل ما حققته المقاومة الفلسطينية من انتصارات عسكرية، وما ارتكبته إسرائيل من مجازر وتدمير، للضغط في هذا الاتجاه، إلى جانب تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من العدوان الإسرائيلي.

وأخيرًا، وفي إطار تشكيل عالم متعدد الأقطاب، تدعو إليه روسيا، فإن تعزيز الهوية السياسية لفلسطين سوف يؤدي دورًا مهمًّا. ونظرية القطب في هذا المفهوم ليست مجرد دولة تتمتع بالموارد السياسية اللازمة، التي بفضلها تستطيع إبراز قوتها على جيرانها، كما يتصور غالبًا في الغرب؛ بل يجب أن يُفهم القطب وفق تفسير الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر: “إنه مركز جوهر وجود شعب معين، يتكشف في الفضاء المحيط به”؛ ولذلك يجب على شعب فلسطين أن يجد مكانًا جديرًا ومستحقًا في مجرى تاريخ العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى