رحلة البحث عن الخلود (ملحمة جلجامش)
في عام 1853 م اكتشف 12 لوحا طينيا في نينوى بالعراق بالصدفة في موقع أثري عرف فيما بعد أنه المكتبة الشخصية للملك الآشوري آشور بانيبال.
كتب على الألواح بخط مسماري تناولت ملحمة سومرية يعتقد البعض أنها أقدم قصة كتبها الإنسان.
تتناول الملحمة في مقدمتها وصفا عن ملك أوروك جلجامش وولادته من أم إلهة وأب بشر، أي أن الدم الالهي يسري في عروقه، لكن الثلث البشري فيه يجعله فانيا، بسبب هذا يدرك جلجامش أنه ليس خالدا.
يذكر أيضا في الملحمة أن جلجامش كان ملكا سيئا مكروها من شعبه حيث أنه سخر الناس لبناء سور ضخم حول أوروك العظيمة.
تأخذ الملحمة منحى آخر، وهذا عندما استجابت الآلهة لابتهالات الناس بأن تخلصهم من ظلم جلجامش، فخلقت الإلهة أرورو رجلا كثيف الشعر، يعيش في البرية ويأكل الأعشاب ويشارك الحيوانات شرب الماء.
إنه أنكيدو صديق الحيوانات الذي ينقذهم من الصيادين ويعيش معهم.
اشتكى الصيادون لجلجامش الذي فكر ثم أرسل إليه خادمة معبد الربة عشتار لتغريه فيمارس الجنس معها وتروضه وتجعله مدنيا.
حالف النجاح هذه الخطة وبدأت الخادمة شمخات تعليم انكيدو الحياة المدنية من مأكل ولباس وشرب النبيذ، وتبدأ بإخبار أنكيدو عن قوة جلجامش، وحين أخبرته أن جلجامش يدخل بالعروسات قبل أزواجهن غضب انكيدو وقرر أن يتحدى جلجامش في مصارعة ليجبره على ترك هذه العادة.
يتصارعان بشراسة، يستمر القتال المتقارب، يفوز جلجامش ويعترف انكيدو بقوة جلجامش ويصبحان صديقين حميمين.
يقرر جلجامش وانكيدو الذهاب لغابات الأرز وقطع أشجارها، لكن يتعين عليهما قبل ذلك القضاء على خومبايا حارس الغابة، وهو كائن عملاق قبيح.
يحرص الاثنان على مباركة شماش إله الشمس والعدالة وينطلقان.
في الطريق يتخوف انكيدو من قتال خومبايا ويرى جلجامش كوابيس لكنه يبقى متفائلا واثقا من النصر. يصل الرجلان ويبدآن بقطع الأشجار فيظهر خومبايا المرعب يدخلون في شجار عنيف ينتصر فيه البطلان، حيث يقع خومبايا على الأرض ويتوسل لجلجامش وانكيدو أن يرحماه لكنهما يجهزان عليه.
أثار هذا الفعل غضب انليل، الهة الماء، والتي كانت هي من أناط حماية الغابة بخومبايا.
تنتشر شهرة جلجامش بعد هذا الإنجاز في الآفاق، وتعرض عشتار عليه الزواج لكنه يرفض فتشعر عشتار بالإهانة وتلجأ لوالده آنو إله السماء ليعيد كرامتها، فيقوم آنو بإرسال ثور مقدس من السماء لكن إنكيدو وجلجامش يقضيان عليه.
بعد هذا تعقد الآلهة اجتماعا يقررون فيه قتل انكيدو لأنه من البشر أما جلجامش ففيه دم إلهي من والدته. ينزل مرض شديد بإنكيدو ويموت.
جلجامش يحزن بشدة ويرفض تصديق موت صديقه فيمتنع عن دفنه، وبعد أسبوع تبدأ الديدان تخرج من جثة انكيدو فيدفنه جلجامش ويشرد هائما على وجهه في البرية منفردا خارج اوروك متخليا عن ملذات الحياة، حيث يخلع ثيابه الفاخرة ويرتدي جلود الحيوانات.
بعد موت انكيدو، دب الخوف في قلب جلجامش من فكرة الموت لأنه بشر ولا خلود إلا للآلهة.
فبدأ من هنا رحلة البحث عن الأبدية والخلود.
ليجد جلجامش الخلود عليه إيجاد الإنسان الوحيد الذي وصل لتحقيق هذه الغاية وقد كان اسمه اوتنابشتم. خلال رحلة البحث هذه يلتقي جلجامش بإلهة النبيذ سيدوري التي تقدم له نصائح تتلخص بأن يستمتع بالحياة بدل أن يقضيها بالبحث عن الخلود، لكن جلجامش كان مصرا على سعيه في الوصول إلى أوتنابشتم ليعرف سر الخلود، فترسله سيدوري إلى أورشنبي الطواف ليعبر به بحر الأموات ويوصله لأوتنابشتم. يلتقي جلجامش به، فيسرد له اوتنابشتم قصة الطوفان العظيم الذي حدث بأمر الآلهة وأنه لم ينجو سوى هو وزوجته بعد أن أوعزت له الآلهة ببناء سفينة (قصة مشابهة لطوفان نوح في الديانات السماوية).
وبعد أن سمع برغبة جلجامش بالخلود، عرض اوتنابشتم فرصة على جلجامش ليصبح خالدا إذا تمكن من البقاء مدة 6 أيام و7 ليال دون نوم، فيفشل جلجامش لكنه يلح على الرجل الخالد وزوجته بإيجاد طريقة أخرى ليحصل على الخلود، تشفق الزوجة على جلجامش فتدله على عشبة سحرية تحت البحر بإمكانها إرجاع الشباب. يغوص جلجامش أعماق البحر في دلمون (البحرين) ويجلب العشبة.
يقرر العودة إلى الديار أوروك ليجربها على رجل عجوز قبل أن يتناولها، لكن في طريق العودة وحين كان يغتسل بالنهر قامت إحدى الأفاعي بتناول العشبة، فيرجع جلجامش خالي اليدين. وعند الوصول يقف جلجامش متأملا وهو يرى سور اوروك العظيم الذي بناه ليستنتج في قرارة نفسه أن عملا عظيما كهذا السور هو أفضل إنجاز يخلد اسمه.
يصبح جلجامش ملكا صالحا محبوبا من شعبه.
هذا ما تختتم به الملحمة إضافة للحديث عن موته وحزن أوروك على وفاته.
ملاحظة: كتبت الملحمة باللغة الأكادية، وفي نهايتها توقيع شخص اسمه شين أيقي أونيني.
تعليق شخصي: اعتقد جلجامش أن السور العظيم هو ما سيخلد اسمه، لكنه لم يعلم أن بحثه الدؤوب المليء بالتجارب الذي صقل شخصية الراعي الصالح، وسيرته التي انعكست اسطورة في ملحمة كهذه، هي حقا ما جعله خالدا.

