مقالات

تراجعت القومية العربية. . .وتقدمت الهجرة!!

ناصر الماغوط

قبل ثورة التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات والتي صار فيها العالم ليس قرية صغيرة وحسب، بل ربما صار مجرد غرفة واحدة، وقبل تطور وتبلور وسائل الأمن والقمع العربي، كان الشعب العربي يشعر بأنه شعب واحد، وأن أمته أمة واحدة.

ومن خلال أجهزة الراديو والتلفزيون الذي كان البث فيه أرضيا وليس فضائيا، كانت تصل الأخبار للناس، وكان العرب يعرفون ما يجري في أي مكان من العالم العربي، ويهتمون به، وكانوا يتظاهرون من المحيط إلى الخليج دعما لأهلنا في فلسطين ولثورة الجزائر ولأي نائبة تصيب أي قطعة من الوطن العربي، وأبرز مثال على ذلك أنهم كانوا يجلسون بجانب الراديو، قبل انتشار التلفزيون، مثل التلاميذ لسماع خطابات عبد الناصر وأغاني أم كلثوم.

كانت الشعوب العربية شابة وتنبض بالحياة والكرامة والغضب ومفعمة بالآمال

اليوم، ومع بلوغ تكنولوجيا القمع والمخابرات ذروتها في العالم العربي، صار كل ما يجري في فلسطين وما يسفك فيها من دماء زكية طاهرة، وكل ما يتم فيها من عدوان واغتصاب أراض وإقامة مستوطنات.

وكل ما يحدث لأهلنا في الجولان وفي شمال وشرق سوريا

وما يجري من اقتتال رفاق السلاح في السودان

وما يحدث من مهزلة المهازل في العراق المقسم بحكم الأمر الواقع

وما يجري في لبنان

وفي ليبيا

وفي اليمن

وفي كل منطقة عربية أخرى يتم تهيئتها للخراب

وكل ما يتم نشره بكل وقاحة وصفاقة عن مشاريع وخطط غربية لتمزيق الدول العربية الواحدة تلو الأخرى

كل ذلك لم يعد يحرك شعرة واحدة في مفرق مواطن عربي

لماذا؟ لأن الشعب العربي من المحيط إلى الخليج بات غارقا اليوم بمشاكل ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يعد يهمه ما يجري في فلسطين ولا في غيرها، لأن “اللي فيه مكفيه” كما يقال.

وتفسخت مقومات الوحدة العربية التي درسناها في كتب القومية العربية مثل اللغة والدين والتاريخ والثقافة والجغرافيا بسبب القمع والفقر والفساد.

والعرب اليوم عربان: عرب أغنياء حكامهم نجحوا في رشوة شعوبهم ليأكلوا ويشربوا ويسكروا ويسوحوا في العالم بحثا عن المتعة مقابل أن لا ينظروا إلى ما يجري من حولهم، وعرب فقراء، مواردهم محدودة، بالكاد تكفي نفقات الحكام والحاشية والتابعين والأمعيين وأجهزة الأمن، وما تبقى يتم رميه للشعب الفقير ليسد فيه رمقه.

وهكذا، فإن الحياة في بلاد العرب صارت مثل الحياة في زريبة، كل خروف أو نعجة فيها، يفكر بنفسه وحسب، وهكذا سقطت من حساباتهم فلسطين وغيرها من القضايا العربية

وصار الحديث بالقومية نوع من التندر والمسخرة

وصار الحديث بالسياسة انتحار

والحديث بالأخلاق سذاجة وجحشنة

ولم يعد أحد يتحدث عن المشاركة في الحياة السياسية، في أحزاب حقيقية، في انتخابات، سواء مرشحا أو ناخبا

وصار كل شيء صوريا. الدين والسياسة والانتخابات والعبادات

ولم يعد يوجد من حقيقة واقعة في عالم العرب سوى النزيف البشري الهائل من أجل الخلاص الفردي من هذا الجحيم المبالغ فيه طبعا وهو الحياة في هذه المنطقة في ظل غياب الأحزاب القومية والوطنية اليسارية وانعدام التفكير بالشأن العام الذي انحصر بالدولة تحديدا.

لنستنتج بأن الغاية عند بني “العربان” هي تخدير شعوبها تماما لتصير جاهزة للذبح

بلا إحساس بالكرامة

بلا إحساس بالإهانة

بلا إحساس بالغضب

وأقصى ما يطمح إليه العربي في هذه الأيام هو أن يبيع كل ما يملكه وما يربطه بوطنه ليهاجر إلى ما غير رجعة، ويترك الشقا على من بقى.

وهو ما يحدث اليوم تماما.
وجهه نظر جديره بالطلاع
Print This Post

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى