مقالات

العصابة في اميريكا .. فيلم العرّاب على الحقيقة .. ترامب ومافيات الأعماق


نارام سرجون

من الانسان الخارق السوبرمان المتفوق الذي حلم به الفيلسوف الالماني نيتشه وبشر به وصلنا الى الانسان المنحط أخلاقيا .. وهو النوع الامريكي السياسي .. ففي اميريكا التي تبدو انها تنتج الانسان المتفوق تكنولوجيا نجد انها تنتج نوعا دنيئا من النخب و الحكام والسياسيين الذين هم في قاع الانحطاط .. ولادرجة بعدها في الانحطاط الذي لم تصل اليه حضارة .. والذي لم يتوقع نيتشه ان يصادفه في المستقبل .. فنيتشه كان يظن ان الانسان المتفوق السوبرمان سيصل في المستقبل بلا شك وسيحمل الكثير من الاخلاق الى جانب اللارحمة في قلبه .. ولذلك فان من يراقب الساسة الامريكيين سيدرك خيبة امل نيتشه ونبوءته .. وهو يراقب نوعا من الانحطاط النادر وهم يصرحون بكل وقاحة ويتباهون بأنهم يقتلون الشعوب بالقنابل الذرية .. ويقتلون رؤساء الدول والسياسيين لأنهم يصنفونهم على انهم أشرار .. ويقتلون كل من يعترضهم مهما كان .. حتى رسامة عراقية رسمت صورة بوش على ارضية مدخل فندق الرشيد في بغداد ارسل لها الاميريكيون صاروخ كروز قتلها في سريرها فجرا .. وهم يبنون المحاكم الدولية والدنيئة لخصومهم بينما يقررون انهم فوق المحاكمات كلها .. وفوق اي قانون .. وعندما يرى الانسان ان له قانونا خاصا يختلف عن قوانين البشر سيتحول في نظر نفسه الى اله .. وفي هذا التحول نحو النظرة الفوقية الاستعلائية الانحدار في الاخلاق والقيم والغرور المطبق والصلف اللامتناهي .. ولذلك لايمكن أن تتوقع انهم فيما بينهم سيكونون أكثر رقيا واحتراما .. وأنهم ديمقراطيون فيما بينهم وأشداء على أعدائهم .. واذا أردت ان تختصر النخب السياسية الامريكية فعليك ان تكون قد رأيت فيلم العراب الذي يحكي عن عقل المافيا .. والمجتمع السياسي الامريكي تحكمه عقلية المافيا حيث تبدو الديمقراطية مفيدة لها لتتجنب العصابات الصدام والصراع لأنها تخشى بعضها .. ولكن في لحظة تهديد المصالح .. يتصرف الجميع بمنطق العصابات .. وهذه العصابات هي التي قتلت الرئيس الاميريكي جون كينيدي الذي حاول ان يبعد سلطة العصابات عن السياسة وعنه وان يستقل عنها .. فعاقبته العصابات بالقتل .. وقيدت الجريمة ضد قاتل مجهول ..

اليوم تتفجر عقلية العصابات حيث ترامب يقود عصابة تريد التخلص من العصابة القديمة التي تسمى الدولة العميقة العتيقة ليحل محلها بانقلاب أبيض الدولة العميقة الجديدة التي تتمثل في تجار وأثرياء لايجدون ان الدولة العميقة التقليدية ستستجيب لهم ولطريقة تفكيرهم في بناء قوتهم المالية ومزارعهم المالية عبر العودة للصناعة والتجارة غير صناعة السلاح والنفط .. فالصين هي التي أخذت الصناعة من اميريكا .. وهم يريدون ان يحطموا الصين لتعود اميريكا مصنع العالم .. وهذا هو قلب مشروع ترامب .. ولكن هذا يعني ان شركات السلاح تعرف ان الحرب مع الصين تجارية ولادور للسلاح فيها بينما الصراع مع روسيا هو ازدهار للسلاح وبيع السلاح كما هو الحال في حرب اوكرانيا حيث يبيع هؤلاء كل مخزوناتهم من الذخائر والسلاح والغاز لاوروبا بأسعار ضخمة ..

ولذلك فان من يظن أن ترامب قد نجا فانه كمن يقول لي بأنه لايعرف أميريكا حق المعرفة .. ولايعرف عقل الكاوبوي .. وهذا المخلوق راعي البقرالذي برمج عقله على فكرة البقاء من أجل الصراع لا الصراع من أجل البقاء وهو لايقدر ان يعيش مع خصم ليتقاسم الغنيمة .. فاما كل الغنيمة والا فالموت للخصم .. وهذا هو سبب ابادة الهنود الحمر رغم ان اميريكا قارة تتسع للجميع زكان الهنزد الحمر مسالمين وليس لديهم مانع في مشاركة الموارد من البيض المهاجرين .. ولايلام الكثيرون على حسن الظن بهذه الاميريكا .. فأميريكا اشتغلت على غزو عقول الناس بالكذب .. فهي أكذب كيان وجد على هذه الارض .. فهي تكذب علنا انها تحب الانسان وتحترم حقوق الانسان ولكن لم يمت البشر كما ماتوا منذ صعود اميريكا .. ولم يعان الانسان من قلة الاحترام لحقه في الحرية والحياة مثلما عاناه منذ وجدت أميريكا .. أميريكا العبودية الشاملة .. وأميريكا الابادة الجماعية الشاملة .. وأميريكا القنابل الذرية .. واميريكا فييتنام والنابالم .. والسلاح الكيماوي .. واميريكا العراق وأبو غريب .. وأميريكا الربيع العربي .. واميريكا الانقلابات في اميريكا الجنوبية .. اميريكا الصعود الوهمي السينمائي الى القمر ..
من يفكر بعقل حضاري لايتردد لحظة في ان يقول ان هذه الحضارة المغلفة بالتكنولوجيا والذرة والالكترون والكومبيوترات .. انما في قلبها الجماجم والدم والعبيد والحروب والاطفال والمجاعات .. وهي كبطن تمساح مليء بالعظام .. وفي قلبها المسدس والرصاص والانسان الشرير المهووس بالبحث عن ضحية .. فتفوقه لايكون الا بوجود ضحية تثبت انه الأقوى .. بدليل انها لاتستطيع ان تكون بلا حروب ..

معسكر الدولة العميقة العتيقة التي صارت متعبة مثل بايدن لن يقبل بالهزيمة .. كما ان معسكر ترامب لن يقبل بالهزيمة وهو مندفع ياستماتة .. والصراع بينهما اما قاتل او مقتول او ان يجري الطرفان صفقة كبيرة .. ولكن الصفقة تكاد تكون مستحيلة ولايمكن تحقيقها لأنها لاتحمل حلولا وسطا .. فالوضع الدولي يحاصر اميريكا عبر تحالف روسيا والصين .. وترامب يريد ان يطبق معادلة هنري كيسنجر المعكوسة وهي الاستفراد بالصين عبر فك ارتباط روسيا بها .. فهو سيوقف حرب اوكرانيا وسيعطي لروسيا ماتريده في اوكرانيا بشرط ان تنأى بنفسها عن الصين التي يريد ان يجردها من قوتها الاقتصادية فاذا قطع عنها النفط الروسي (بيع اوكرانيا) والايراني (بيع اتفاق نووي جديد يبعد ايران عن الصين اكثر) والعربي (بيع التاج لبن سلمان) فان الصين ستستسلم له .. ولكن هذا المشروع لايعجب المعسكر الثاني العميق لأنهم تجار سلاح ونفط وحروبهم تحتاج اعادة روسيا وسلاحها الى القمقم .. السلاح الروسي الذي بدأ يقهر الصناعة العسكرية الامريكية كما ظهر في عدة حروب .. ويجب ان يقهر.. كي تتجه عقود السلاح لأميريكا ..
لذلك اذا نجا ترامب هذه المرة فانه اما ان يخضع للصفقة ويكون الرئيس لدولة السلاح والحرب واما ان يموت .. ومن هنا يهدد ترامب دوما بالحرب الاهلية .. وهو يدرك انه يتم التسديد عليه وقد يضغط القتلة على الزناد في اية لحظة .. فيقوم في مجاولة لردعهم بتذكيرهم ان قتله سيطلق حربا أهلية .. ولكن محاولة القتل الاخيرة تشير الى أن هؤلاء يعتبرون ان وصول ترامب لاتختلف في نتائجها عن الحرب الاهلية .. فهم خاسرون ولكنهم في الحرب الاهلية لديهم فرصة أكثر .. ولذلك يفتشون عن متهم بقتل ترامب فيشيرون الى ان الايرانيين قد تكون لهم مصلحة بالثأر من ترامب لقتله الجنراب قاسم سليماني .. وكأنهم يريدون ان يقولوا ان قتل ترامب سيحدث .. والمتهم جاهز .. ولديهم القدرة على رسم السيناريو واقناع جمهور ترامب بالأمر .. وأخذ هذه الجمهور الى حرب ايران وروسيا المتحالفتين ..

عقل مجنون .. عقل شرير .. عقل انتحاري .. عقل تدميري .. المافيا وصل صراعها الى الذروة .. وسنجد فيلم العراب بنسخته الحقيقية .. المسدسات محشوة بالرصاص .. والعقول محشوة بالكراهية والانانية والجشع والوحشية .. والعقل الاميريكي الشعبي محشو بأسطورة اميريكا العظيمة والحرة والديمقراطية والتي لاتخطئ والتي تملك من الحقوق مالايمكله الا الله .. وأنها تتصرف بوحي من الله .. مثل عقلية اي متطرف من أي دين يقول ان الحرب هي ارادة الله .. وهذا مايريده الله .. هذه هي اميريكا المافيات والعصابات التي لاترحم بعضها ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى