المقالات

جان عبيد.. نائب “برتبة رئيس” !(ملك عقيل)

لأسباب كثيرة لم تعهدها بدايات العهود المتعاقبة منذ “الطائف” فُتِح ملف رئاسة الجمهورية منذ الأشهر الاولى لجلوس ميشال عون على كرسي الرئاسة الاولى. مفارقة فعلاً. بعض من يقف على مسافة قريبة جداً من دائرة محيط عون الضيقة يقولها بالفم الملآن “حارب طويلاً ميشال عون ليصل الى قصر بعبدا حاملاً مشروعاً انقاذياً. وهو في كل لحظة يحارب من أجله، لكن من دون أن يتجاهل واقع أن في كل ما يفعله يمهّد الطريق أمام “رئاسة جبران باسيل”، وعائلته الصغيرة تعرف هذا الامر تماماً”.الأضواء لألف سبب وسبب تتركّز على جبران باسيل لكن يبدو الامر ك “الفتيشة” التي تصدر صوتاً فقط من دون أن تترك أثراً يُبنى عليه، أقلّه على مسافة ثلاث سنوات من الاستحقاق الرئاسي. الى جانبه أسماء أخرى تتردّد باستمرار: هناك سليمان فرنجية الذي يقارب الاستحقاق على طريقته “من دون استعراض قوة ولا إزعاج”. هناك رجل المال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقائد الجيش العماد جوزف عون رغب أم لم يرغب بذلك، ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع المراهن على تغييرات الخارج… ومرشحون من خارج التسميات “التقليدية”، على رأس اللائحة جان عبيد.بعيد تعيين ميشال عون رئيساً للجمهورية أصدر نائب طرابلس بياناً أعتبر فيه “ان اعتلاءه السدة الرئاسية أنجزه الاذن الالهي أولاً والنضال الانساني والالتزام الاخلاقي بالوعد الصادق من قبل السيد حسن نصرالله وتمسّك الرئيس نبيه بري واصراره على رفض المقاطعة، ونذكر أيضا انضمام وليد جنبلاط وخصومه في قيادة القوات الى صفه وثبات العماد الاستثنائي وعناده مع محبيه ومريديه وأصدقائه، فضلا عن تسهيل قيادة المملكة العربية السعودية لهذا الانجاز الوطني واندفاع الرئيس سعد الحريري نحو هذا الاختيار الى جانب التأييد الواسع والمستمر من داعميه في المجلس وخارجه واحترام خصومه ومنافسيه له”. من خلال أحد تعليقاته القليلة جداً فنّد جان عبيد أصحاب “الفضل” في ايصال ميشال عون الى رئاسة الجمهورية. كيف حَملته التموضعات في المواقف الى سدّة الرئاسة الاولى، لكن التي لم يكن لحصولها أي فعالية من دون الإذن الالهي”. هي بطاقة المرور نفسها التي يراهن عليها جان عبيد في نضاله الصامت والحسن نحو رئاسة لن تأتي، برأيه، إلا ب “إذن الهي”. المرشح الدائم للرئاسة الذي يحسب كل خطوة وكل نَفَس، قبل وبعد نجاحه مجدداً في الانتخابات النيابية، لا تعنيه المنابر والخطابات الجيّاشة والاستهلاكية. يمتلك ذاكرة فيل وتاريخ، مع خبرة طويلة في مَعجَن الزعامات. يستحيل لمن يجالسه أن يُسقِط هذه الملاحظة. الرجل قابع دائم في منطقة الانتظار من دون جلبة ولا ضوضاء الى أن تحين الساعة. ونيابته المتجددة لم تدفعه لتغيير قواعد اللعبة. يصرّح عند اللزوم فقط. وزير الخارجية الاسبق لا تزال تحكمه لغة الدبلوماسية وإلا، أمام ما يختبره من سقطات في أداء السلطة، لكان أحرج كثيرين بمواقفه وأسقط ورقة التوت عن آخرين. من يعرف رأيه في الجلبة التي تثار من وقت الى آخر في شأن نقل مقعد طرابلس الماروني الى أحد الاقضية المسيحية يفهم جيداً مغزى موقفه من رفض إقامة مطمر تربل. في الاشكالية الاولى لا يعترف عبيد أصلاً بأزمة المقاعد المسيحية في “الشتات الإسلامي”. هو من نادي المقتنعين بأن المسيحيين على الاغلب وصلوا الى ما هم عليه بسبب حماقة بعض قياداتهم. أما القناعة الأكبر فالتمسك بواقع توسيع إنتشار المسيحيين في أماكن تواجدهم وليس اقتلاعهم منها. في الاشكالية الثانية يستحيل على عبيد ان يتموضع طائفياً حيال أي قضية، فكيف بمطمر للنفايات!كثير من زياراته تبقى بعيدة من الاضواء. في القصر الجمهوري يجلس أمام “صديقه” الرئيس. يتحدث من دون قفازات ومجاملات مع شئ من “النصائح” التي يصعب لغيره ممن يجالسه أن يوجّهها له. في طرابلس حاضر بالقدر الكافي وشبكة علاقاته لا تشوبها عداوات أو خصومات، بل مسارات مفتوحة بكافة الاتجاهات. ابن بلدة علما الزغرتاوية لا يقود حزباً، وليس صاحب كتلة نيابية، ولا يتحلّق حوله أصحاب رؤوس الاموال، ولا يزخّم علاقاته مع مالكي وسائل الاعلام ليكون نجماً على شاشاتها. كثر يرون فيه نزاهة فؤاد شهاب وتقشّف الياس سركيس… وبالتأكيد هو ليس من المناصرين لواقع أن الرئيس الأقوى في طائفته فقط من “تُحلّ” له كرسيّ بعبدا، وإلا لما كان بشاره الخوري وفؤاد شهاب وكميل شمعون وشارل حلو وسيلمان فرنجية قد أصبحوا رؤساء جمهورية… قارئ نهم للكتب المقدّسة “ليتثقّف وليس للصلاة”. عاشق لأقوال الإمام علي وللأحاديث النبوية الشريفة ونهج البلاغة والقرآن والاناجيل الاربعة الى التوراة…خاض جان عبيد معركة المقعد الماروني في طرابلس، على لائحة الرئيس نجيب ميقاتي، للمرة الخامسة منذ انتخابه نائباً لأول مرة عام 1992. لو قدّر لأي نائب آخر أن يخوض هذه المعركة لاستخدم جميع أساليب التجييش والشعارات الصدامية. هذا ما لم يفعله جان عبيد… ولن يفعله يوماً. في مجالسه الخاصة شعار ردّده دوماً حين كان يحضر حديث الرئاسة “المهم رتبة الرئيس وليس رتبة المرشح”. في تعريفه “رتبة الرئيس هي نتيجة ميزان قوى والجِهاد… والإذن الإلهي”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى